الثلاثاء، 7 مارس 2023

قضايا نقدية من كتاب زغل العلم للذهبي

 

 قضايا نقدية من كتاب زغل العلم للذهبي

     الحمد لله حمد الشاكرين نحمده ونشكر فضله والصلاة والسلام على النبي الأمين وإمام المرسلين سيدنا محمد r وبعد:

معلومات الكتاب:

     زغل العلم للإمام شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبدالله التركماني المشهور بابن الذهبي رحمه الله المتوفي في سنة 748ه، مكتبة الصحوة الإسلامية، تحقيق محمد ناصر العجمي، الكويت.

البيانات الببليوجرافيا:

     اسم الكتاب: زغل العلم

     اسم المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي     (ت ٧٤٨هـ)

     اسم محقق الكتاب: محمد بن ناصر العجمي

     دار النشر: مكتبة الصحوة الإسلامية

     عدد الصفحات: ٥٢

ترجمة المؤلف:

     هو شمس الدين أبوعبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني المشهور بابن الذهبي.

     ولد في ثالث ربيع الآخر سنة 673 (ب) ، وطلب الحديث وله 18 سنة. فسمع الكثير، ورحل، وعنى بهذا الشأن وتعب فيه وخدمه الى ان رسخت فيه قدمه، وتلا بالسبع وأذعن له الناس.

مشايخه:

     شيخ القراء في عصره جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن داود العسقلاني المعروف بالفاضلي.

     ابن غايى المقرىء الدمشقي.

     الحافظ جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد المعروف بابن الظاهري.

     القاضي تقي الدين بن دقيق العيد.

     شرف الدين الدمياطي.

     شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية.

     جمال الدين أبو الحجاج المزي.

مكانته:

     تغني شهرته بالتقدم في العلم عن التكثر بنقل أقوال العلماء في ذلك، ولكن أشير هنا إلى أن مثل الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت٨٥٢هـ) شرب ماء زمزم داعياً الله تعالى أن ينيله مثل مرتبة الذهبي في العلم ،وقال الإمام تقي الدين الفاسي(ت٨٣٢هـ)

      في ترجمته: «... واعترف له علماء عصره بوافر الفضل في فنون الحديث والتاريخ وغير ذلك»، وقال: «وكان الذهبي متبحراً في معرفة المتقدمين والمتأخرين، ولا يحابي منهم أحداً، ولا يتحامل على أحد، ويوضح ما يقع في كلام غيره من إسراف في جرح أو انتقاد فيما يحكيه عن غيره.

     وكان كثير الحفظ للمتون والآثار، جيد الخبرة بعلل الحديث والعالي والنازل، مليح العبارة في تصانيفه وتعاليقه»، وقال: «وبلغني أنه توقف عن ولايته لدار الحديث الأشرفية بدمشق لأنه لم يكن أشعريا، وذلك لما شغرت لموت مدرسها أشهد الحافظ جمال الدين المزي [ ت 742هـ]، وما وليها المري حتى نفسه أنه أشعري، فإن ذلك شرط في مدرسها. وهذا يدل على كثرة دين الذهبي وورعه، إذ كان يمكنه أن يشهد أنه أشعري ويليها، ولا يؤثرذلك في كونه لا يرى اعتقاد الأشعري»(۲) ولم يكن – بعد الحافظ المزي أحفظ منه. رحمهما الله تعالى.

من تصانيفه:

(۱) تاريخ الإسلام.   (۲) سير أعلام النبلاء. (۳) العبر في خبر من عبر.

(4) ميزان الاعتدال في معرفة أحوال الرجال. (5) تذكرة الحفاظ. (6) دول الإسلام.

(۷) معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار. (۸) کتاب العرش (العلو للعلي الغفار).

(9) معرفة القرون. (10) معرفة الكبائر. (11) تلخيص المستدرك للحاكم. وغيرها

نقد المقدمة:

     بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والحمد لله رب العالمين، اعلم أن في كل طائفة من علماء هذه الأمة ما يذم ويعاب، فتجنبه. (ص: 25)

     بدأ الذهبي رحمه الله كتابه بمقدمة بسيطة مختصرة، لكنها مركزة وهادفة، تجذب القارئ وتحدد له موضوع الكتاب ومنهجه، حيث أن الكتاب يتناول قضايا ومواضيع تحدث عند طائفة من العلماء الأجلاء أصحاب الفضل، لكن لديهم بعض الملاحظات، وعلى الحصيف أن يتجنبها.

علم القراءة والتجويد:

     فالقراء المُجَوِّدَةُ: فيهم تنطع وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارىء يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف، والتنطع في تجويدها بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله تعالى، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة لله ويخليه قوي النفس مزدريا ]بحفاظ[كتاب الله تعالى. فينظر اليهم بعين المقت ]وأن[المسلمين يلحنون، وبأن القراء لا يحفظون إلا شواذ  ]القراءة[، فليت شعري أنت ماذا عرفت؟! وما علمك، وأما عملك فغير صالح ، وأما تلاوتك فثقيلة عرية عن الخشية والحزن والخوف، فالله يوفقك، ويبصرك رشدك، ويوقظك من رقدة الجهل والرياء.

     وضدهم قراء النغم والتمطيط، وهؤلاء في الجملة من قرأ منهم بقلب وخوف قد ينتفع به في الجملة، فقد رأيت من يقرأ صحيحا ويطرب ويبكي.

     نعم ورأيت من إذا قرأ قسى القلوب وأبرم النفوس، وبدل كلام الله تعالى، وأسوأهم حالا الجنائزية، والقراء بالروايات، وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع، وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد، وشعارهم في تكثير وجوه حمزة  ، وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراآت.

     اقرأ يا رجل واعفنا من التغليظ والترقيق ]وفرط[الإمالة، والمدود ووقوف حمزة ]فإ[لى كم هذا؟ وآخر منهم إن حضر في ختمة أو تلا في محراب جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت، والتهوع بالتسهيل، وأتى بكل خلاف ونادى على نفسه أنا (أبو فلان) فاعرفوني فإني عارف ]بالسبع [إيش يُعمل بك؟ لا صبحك الله بخير إنك حجر منجنيق ورصاص على الأفئدة.(ص: 25، 26، 27)

     يصف الذهبي رحمه الله أن بعض القراء المجودين لكتاب الله يُصيبهم نوع من التكلف في القراءة، يؤدي بهم إلى صرف الاهتمام إلى مراعاة الأحرف وتجويدها فيشغلهم عن تدبر المعاني والخشوع في التلاوة، وهذا يؤدي بهم إلى الشعور بأن غيرهم من القراء والحفاظ يلحنون ولا يتقنون القراءة، وأن عملهم هذا غير صالح.

     وفي هذا المقام يقول الذهبي رحمه الله "وأما تلاوتك فثقيلة عرية عن الخشية والحزن والخوف، فالله يوفقك، ويبصرك رشدك، ويوقظك من رقدة الجهل والرياء" بعد أن وضح حال بعض القراء قام بالدعاء لهم، فهو لم ينتقد الأشخاص، بل السلوك ذاته، موضحاً السبب.

     ثم أتى الذهبي رحمه الله بعد ذلك بفئة من القراء الذين ينغمون ويمتطون، فأشار أن منهم من يقرأ بقلب خاشع وخوف لدرجة أنه يطرب ويبكي. وأسوأ القراء من يجمع ويخلط بين القراءات ويغلظ اللامات ويرقق الراآت، والإمالة والمدود، فيأتي بالغرائب وبكل خلاف فديدنه أن يُظهر أنه عارف بالقراءات السبع.

     فيقول الذهبي رحمه الله: "لا صبحك الله بخير إنك حجر منجنيق ورصاص على الأفئدة". فيتضح من أسلوب الذهبي رحمه الله أنه انتقاد السلوك لفئة من القراء، موضحاً ما يدفعهم لذلك. ولعل دعاءه عليهم كان بسبب ما رآه منهم من تنطع زائد، وازدراء للآخرين وما شاهده من ثقلهم على النفوس.

     ومن جانب تربوي، يحتاج المربي والمعلم أن يغرس في نفوس الأبناء حب وتعظيم القرآن الكريم، وأن يرتل مجوداً بتدبر وخشية وخوف من الله تعالى، وأن يقرأ لله بنية خالصة، لا أن يقال عنه قارئ.

علم النحو.

     النحويون لا بأس بهم، وعلمهم حسن محتاج إليه، لكن النحوي إذا أمعن في العربية، وعري عن علم الكتاب والسنة بقي فارغا بطالا لعابا، ولا يسأله الله، و]الحالة[ هذه عن ]علمه[ في الآخرة، بل هو كصنعة من الصنائع كالطب والحساب والهندسة لا يثاب عليها ولا يعاقب إذا لم يتكبر على الناس ولا يتحامق عليهم واتقى الله تعالى وتواضع وصان نفسه. (ص: 40)

     يرى الذهبي رحمه الله أن علم النحو من العلوم المهمة، ولكن على المشتغلين بهذا العلم أن لا يشغلهم عن علم الكتاب والسنة، وأن الله U لا يسألهم عن علم النحو، فهو مثل أي صنعة لا يثاب عليها إلا إن لم يتكبر وتواضع وصان نفسه.

     ومن جانب تربوي يجب الاهتمام بعلم الكتاب والسنة وبيان فضلهما في الدارين، والاستعانة بعلم النحو في فهم الكتاب والسنة.

علم اللغة:

     اللغويون قد عدموا في زماننا، فتجد الفقيه لا يدري لغة الفقه، والمقرئ لا يدري لغة القرآن، والمحدث لا يعتني بلغة الحديث، فهذا تفريط وجهل، وينبغي الاعتناء بلغة الكتاب والسنة ليفهم الخطاب. (ص: 40)

     يرى الذهبي رحمه الله أن أهل اللغة انعدموا في زمانه، فأصبحوا قلة وعملة نادرة، وأشار إلى أن الفقيه والمقرئ والمحدث يجب أن يفهموا اللغة، وأن التفريط والجهل بها يؤدي إلى قلة فهم خطاب القرآن والسنة. وذلك في زمن تأليفه ما بين عام ]720ه إلى 726ه [ فكيف بحال زماننا هذا.

علم المنطق:

     والمنطق نفعه قليل، وضرره وبيل، وما هو من علوم الإسلام، والحق منه فكامنُ في النفوس الزكية بعبارات غريبة، والباطل فاهرب منه فإنك تنقطع مع خصمك وتعرف أنك المحق، وتقطع خصمك وتعرف أنك على الخطأ، فهي عبارات دهاشة ومقدمات دكاكة، نسأل الله السلامة، ]و[إن قرأته للفرجة لا للحجة، وللدنيا لا للآخرة، فقد عذبت الحيوان[1] وضيعت الزمان، والله المستعان، وأما الثواب فأيِّس منه ولا تأمن ]العقاب[ إلا بمثاب. (ص: 43)

     ينتقد الذهبي رحمه الله علم المنطق، فهو يراه علم قليل النفع كثير الضرر، علم دخيل على المسلمين، تركه والفرار منه أسلم، وقد أشار إلى أن الوقت الذي يقضيه المسلم في الاطلاع على مثل هذه العلوم يضيع هباءً منثورا وقد يؤثم صاحبه.

     ومن ناحية تربوية على الآباء والمربين تحذير الأبناء من إضاعة الوقت بما لا يعود عليهم بالنفع وقد يكون الضرر أكثر، وتحفيزهم وتشجيعهم على العلم النافع.

علم الشعر:

     الشعر هو من فنون المنشىء وهو كلام، فحسنه حسن وهو قليل، وقبيحه قبيح وهو الأغلب، وبيت ماله الكذب والإسراف في المدح والهجو والتشبيه والنعوت والحماسة، وأملحه أكذبه، فإن كان الشاعر بليغا مفوها مقداما على الكذب في لهجته مصرا على الاكتساب بالشعر رقيق الدين، فقد قرأ مقت الشعراء في سورة الشعراء ويندر على الشعراء المجودين من يتصون من الهجو، وربما أدى الأمر بالشاعر إلى التجاوز إلى الكفر، نسأل الله العفو، والشاعر المحسن كحسان، والمقتصد كابن المبارك، والظالم كالمتنبي، والسفيه الفاجر كابن الحجاج، والكافر كذوي الإتحاد، فاختر لنفسك أي واد تسلك. (ص: 47، 48)

     يصف الذهبي رحمه الله الشعر بأن منه الحسن لكنه قليل، وأغلبه قبيح بين كذب وإسراف في مدح أو هجو، وأن من الشعراء من سلك منهجاً حسناً في شعره، ومنهم من كان شعره مقتصداً وظالماً وفاجراً وكافراً، وعلى الشاعر أن يختار لنفسه الطريق الذي يرضاه.

     ومن الناحية التربوية يجب على المربي والمعلم أن يغرس حب اللغة العربية في نفوس الأبناء ويشجعهم على القراءة والاطلاع، وزيادة المخزون اللغوي، وتذوق الشعر ونظمه، وتراثنا مليء بقصائد في مدح النبي r وقصائد في الوعظ وأحوال الدنيا، وفي مكارم الأخلاق.  كما أن عليه أن يحذرهم من مخاطر الشعر كالإسراف في المدح،  أو المبالغة في الذم والهجاء.

علم الوعظ:

     الوعظ فن بذاته يحتاج إلى مشاركة جيدة في العلم، ويستدعي معرفة حسنة بالتفسير وإكثارا من حكايات الفقراء والزهاد.

     وعدته التقوى والزهادة، فإذا رأيت الواعظ راغبا ]في الدنيا[قليل الدين، فاعلم أن وعظه لا يتجاوز الأسماع، وكم من واعظ مفوه قد أبكى وأثر في الحاضرين تلك الساعة، ثم قاموا كما قعدوا، ومتى كان الواعظ مثل الحسين والشيخ عبد القادر الجيلاني - رحمهما الله تعالى - انتفع به الناس. (ص: 49، 50)

     يصف الذهبي رحمه الله الوعظ أنه فن يحتاج إلى العلم الجيد والدراية بالتفسير، ومعرفة بقصص الزهاد والفقراء، والواعظ الذي يزهد في الدنيا يكون أكثر تأثيراً وإقناعاً، وكأنه يشير إلى القدوة الصالحة وهذا ما يفيد في الجانب التربوي.

     فالقدوة الصالحة من أساليب التربية الإسلامية، وعلى الآباء والمربين أن يضعوا نصب أعينهم أن يكونوا قدوة صالحة على قدر جيد من العلم.

 خاتمة:   

      كما ذكر الذهبي في مقدمته: "اعلم أن في كل طائفة من علماء هذه الأمة ما يذم ويعاب، فتجنبه" اتضح أنه يريد أن ينبه من بعض الشوائب التي تعتري كل طائفة من أهل العلوم والفنون المختلفة؛ حتى لا يقع طالب العلم بها.

      كما أشار إلى أهمية أن يسلك طالب العلم الطريق المؤدي إلى العلوم النافعة في الدارين، ولا يصرف وقته في العلم غير النافع والذي قد يؤثم عليه.



[1] الحيوان: يقصد الجسم والبدن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق