الاثنين، 18 فبراير 2013

جوانب التكامل بين القرآن والسنة .


بسم الله الرحمن الرحيم


جوانب التكامل بين القرآن الكريم والسنة النبوية
 

إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بجوانب كثيرة متنوعة (جسم، وعقل، ومشاعر…) وحينئذ فالمنهج التربوي الذي يريد أن يرقى بهذا الإنسان ينبغي أن يكون متوافقاً مع فطرة هذا المرء، ولهذا صار أي تشريع للبشر من غير المصدر الشرعي محكوماً عليه بالفشل والبوار؛ لأنه تشريع صادر من البشر والله – سبحانه وتعالى – هو الذي خلقهم { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } (1)   يقول الطبري : ( ألا يعلم ) الرب جل ثناؤه ( من خلق ) من خلقه؟ يقول: كيف يخفي عليه خلقه الذي خلق( وهو اللطيف ) بعباده ( الخبير ) بهم وبأعمالهم.(2)

وغالباً ما ترى تشريعات البشر وآراءهم تأخذ جانباً على حساب جانب آخر، وغالباً ما تخل بـهذا التكامل أو هذا التوازن في شخصية المرء، إذن فالتكامل والتوازن هو الذي يتوافق أصلاً مع خلق الإنسان ومع فطرته التي فطره الله عليها.
ولأضرب على ذلك مثلاً .. إننا حين نربي الناس على الخضوع وعلى التسليم لكل الآراء التي تطرح عليهم أيا كان مصدرها، ونطلب من الناس أن يعطلوا عقولهم، وألاّ يفكروا مطلقاً فيما يُقال لهم، إننا حينئذ نعطل هذا العقل الذي خلقه الله – عز وجل – له، وما خلقه الله – سبحانه وتعالى – إلا لحكمة، ولو كانت أمور الناس تستقيم على التقليد والتبعية لخلق الله – عز وجل – لنخبة من الناس عقولاً دون عقول سائر الناس حتى يخضع بعضهم لبعض ويكونوا تابعين لغيرهم.
أما وقد خلق الله العقول للناس جميعاً فهذا يعني أن تربى العقول، وهذا يعني أن يربى الناس على أن يستخدموا عقولهم ويحكّموا عقولهم داخل الدائرة الشرعية التي لا تخرجهم عن حدودها. وأي تربية تسعى إلى تكتيم حريات الناس وعقولهم وتفكيرهم فإنـها تعارض الفطرة، وأي منهج يخالف الفطرة فإنه يحمل بين طياته الهلاك والبوار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  سورة الملك آية ( 14 ) .
(2)  ( جامع البيان في تأويل القرآن-محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري-المحقق : أحمد محمد شاكر- مؤسسة الرسالة-الطبعة : الأولى ، 1420 هـ موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف – جزء : 23 – ص : 511)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وحين نأخذ منهجاً تربويًّا يتعامل مع جانب العقل والمعرفة وحدها ويغفل عن جانب الوجدان في نفس الإنسان، يعيش في تناقض يحكم عليه بالفشل والبوار، كما هو الحال في المجتمعات الغربية المعاصرة، وقل مثل ذلك في أي منهج يتعامل مع جانب واحد من جوانب الإنسان.
التوازن والتكامل سنة الله في الحياة:
فالجنون مثلاً نتيجة لعدم توازن القدرات العقلية والحسية ولهذا يقال عن المجنون : " إنسان غير موزون "، " والصرع العضوي من أسباب زيادة الكهرباء في دماغ الإنسان "، " وفقر الدم أو ضعفه يحصل عن عدم توازن كريات الدم الحمراء والبيضاء في الدم "، " ثم إن زيادة سائل الأذن قد يتسبب في حالة إغماء لدى الإنسان "، " كما يتسبب ضغط العين أو القلب على انعكاسات صعبة خطيرة ". هذه بعض النتائج التي يخلّفها عدم التوازن في الكائن البشري، وهناك عشرات الأمثلة الأخرى على ذلك.
أما عدم التوازن في الكون والحياة فهي أكثر من أن تحصى .. " إن تغير نسبة الأكسجين في الهواء تجعله ملوثاً وقد تجعله سمًّا قاتلاً "، " وتغير المعادلة المتوازنة في دوران الأرض والشمس والأفلاك ينتج عنه كثيرٌ من الأمور أقلها اختلال نظام الليل والنهار، وتعاقب الفصول وما يؤدي ذلك من أضرار على الإنسان والحيوان والنبات وعلى الحياة بكاملها ".
وما يصنعه الإنسان من آلات وما يشترون من بنايات فجميعه محكومٌ بقاعدة التوازن وأي خلل في المقادير والمعايير يتسبب بنتائج خطيرة ومأساوية.
وجوانب الشخص نفسها حين لا تكون متوازنة ولا متناسقة فإنها تخرج إنساناً غير متناسق، فجمال الوجهمثلاً – به توازن نسبي بين حجم الأنف والعينين والفم والرأس؛ بحيث لو اضطربت هذه النسب لكانت صورة مشوهة هزيلة أو ناقصة، وقيمة الطعام تكمن في مختلف عناصره الرئيسة بحيث تتحقق النسبة المتوازنة لسلامة الجسم من مختلف الدهون والسكريات والفيتامينات والأملاح والمعادن .. إلى غير ذلك، والحديث في هذا يطول.
والإخلال بالتوازن حتى في المظهر الجمالي أمر يدعو الناس إلى النفور؛ فحين يسعى الإنسان لتجميل منـزله فيبالغ فيه أو يجعله بصورة غير متوازنة يصبح أمراً مرفوضاً.
وتقرأ في كتاب الله – عز وجل – الحديث عن هذا الكون وأنه محكوم بهذه السنة، قال تعالى :  { وخلق كل شيء فقدَّره تقديرا ً} (1) ويقول الطبري ( وخلق كل شيء ) يقول تعالى ذكره: وخلق الذي نزل على محمد الفرقان كل شيء، فالأشياء كلها خلقه وملكه، وعلى المماليك طاعة مالكهم، وخدمة سيدهم دون غيره. يقول: وأنا خالقكم ومالككم، فأخلصوا لي العبادة دون غيري، وقوله:( فقدره تقديرا ) يقول: فسوى كل ما خلق، وهيأه لما يصلح له، فلا خلل فيه ولا تفاوت. (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   سورة الفرقان آية ( 2) .
(2)  ( جامع البيان في تأويل القرآن-محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري-المحقق : أحمد محمد شاكر- مؤسسة الرسالة-الطبعة : الأولى ، 1420 هـ موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف – جزء : 19 – ص : 236)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

إن شرْع اللهعز وجل – قائم على الوسطية في كل الأمور: الوسط في الاعتقاد، الوسط في العبادة، الوسط في السلوك، فشرْع الله – عز وجل – قائم على هذه القاعدة .
وهو كذلك تبدو فيه ظاهرة التكامل معلماً بارزاً فما من مجال من مجالات الحياة إلا وللشرع فيه حُكم، فإنك ترى للشرع حُكماً في معتقد الإنسان، وترى للشرع حُكماً في تعامل الإنسان مع غيره، وترى للشرع حُكماً في عبادة الإنسان، ترى له حُكماً في سلوكه، وترى له حُكماً في أخلاقه، وفي الاقتصاد والسياسة وحياة الناس الاجتماعية وعلاقاتـهم…. إنك لا تجد باباً من أبواب الحياة إلاّ وفيه حُكم واضح للشرع، وهذا يعني أننا أمام شرع متكامل.
إذاً حينما نريد أن نربي الناس على هذا الشرع ينبغي أن نربيهم تربية متكاملة ومتوازنة ؛ ولهذا أنكر الله على بني إسرائيل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا   }(1) ويقول الطبري : (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، أي تفادونه بحكم التوراة وتقتلونه - وفي حكم التوراة أن لا يقتل، ولا يخرج من داره، ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه - ابتغاء عرض من عرض الدنيا.(2).

إن من التكامل والتوازن في التربية هو أن يُربَّى الفرد على التوازن في التعامل مع نصوص الشرع وأحكامه؛ فالغلو صفة ممقوتة مرذولة بالعقل ويأباها ويرفضها الشرع، والإهمال والتجاوب مع رغبات النفس وشهواتـها لا يسوغ أن تكون بديلاً للغلو { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً  } (3) وقال الطبري وهذا مثل ضربه الله تبارك وتعالى للممتنع من الإنفاق في الحقوق التي أوجبها في أموال ذوي الأموال، فجعله كالمشدودة يده إلى عنقه، الذي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء.

وإنما معنى الكلام: ولا تمسك يا محمد يدك بخلا عن النفقة في حقوق الله، فلا تنفق فيها شيئا إمساك المغلولة يده إلى عنقه، الذي لا يستطيع بسطها( ولا تبسطها كل البسط ) يقول: ولا تبسطها بالعطية كل البسط، فتبقى لا شيء عندك، ولا تجد إذا سئلت شيئا تعطيه سائلك( فتقعد ملوما محسورا ) يقول: فتقعد يلومك سائلوك إذا لم تعطهم حين سألوك، وتلومك نفسك على الإسراع في مالك وذهابه، محسورا: يقول: معيبا، قد انقطع بك، لا شيء عندك تنفقه، وأصله من قولهم للدابة التي قد سير عليها حتى انقطع سيرها، وكلت ورزحت من السير، بأنه حسير. يقال منه: حسرت الدابة فأنا أحسرها، وأحسرها حسرا، وذلك إذا أنضيته بالسير، وحسرته بالمسألة إذا سألته فألحفت، وحسر البصر فهو يحسر، وذلك إذا بلغ أقصى المنظر فكل. ومنه قوله عز وجل( ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ) وكذلك ذلك في كل شيء كل وأزحف حتى يضنى.(4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   سورة سورة البقرة آية (85)

(2)  مرجع سابق ( جزء : 2 – ص : 306 )

(3)  سورة الإسراء آية ( 29 )

(4)  مرجع سابق ( جزء : 17 – ص : 433 )

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا  }(1)

ويقول القرطبي : أي أطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإن من حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة لا في التجبر والبغي. قوله تعالى: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) اختلف فيه، فقال ابن عباس والجمهور: لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك، إذ الآخرة إنما يعمل لها، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها. فالكلام على هذا التأويل شدة في الموعظة. وقال الحسن وقتادة: معناه لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه، ونظرك لعاقبة دنياك. فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الامر الذي يشتهيه. وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة، قاله ابن عطية. قلت: وهذان التأويلان قد جمعهما ابن عمر في قوله: أحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا وعن الحسن: قدم الفضل، وأمسك ما يبلغ. وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف. وقيل: أراد بنصيبه الكفن. فهذا وعظ متصل، كأنهم قالوا: لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك هذا الذي هو الكفن. ونحو هذا قول الشاعر:

نصيبك مما تجمع الدهر كله ... رداء ان تلوى فيهما وحنوط

وقال آخر: وهي القناعة لا تبغي بها بدلا ... فيها النعيم وفيها راحة البدن

أنظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن

قال ابن العربي: وأبدع ما فيه عندي قول قتادة: ولا تنس نصيبك الحلال، فهو نصيبك من الدنيا ويا ما أحسن هذا. (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) أي أطع الله وأعبده كما أنعم عليك.(2)

 وإننا حين نربي أبناءنا على الفوضى والتساهل في الأحكام الشرعية والتفلّت منها، فإننا نربيهم تربية غير متوازنة تربية متطرفة إلى جانب دون جانب، وإننا حين نربيهم على الغلو والمبالغة فإنها هي أيضاً تربية غير متوازنة.
إننا كثيراً ما نسمع الشكوى من أن الابن يواجه - مثلاًالتعويق من أبيه وهو يدعوه إلى التجاوب مع شهواته، يدعوه إلى التجاوب مع التقصير والإهمال بل نرى الأب وللأسف يحض ابنه على التقصير في الصلاة، والتهاون فيها، فيما نرى الأب أحياناً يدعو ابنته إلى الزهد في الحجاب والعفاف والفضيلة. إنها تربية غير متوازنة، تربية متطرفة، تربية تخل بهذا المبدأ، تخل بهذه الوسطية التي جاء عليها شرع الله عز وجل  .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  سورة القصص آية ( 77 )
(2) ( الجامع لأحكام القرآن - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي - تحقيق : أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش - دار الكتب المصرية – القاهرة - ط : 2 - 1384هـ - الجزء : 13 – ص : 314 )

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن التربية التي نطالب بها الأبوين لابنهما ليست أمرُه بالصلاة فقط، ونـهيه عن سائر الأخلاق السيئة فقط، وإن كـان هذا أساساً ومبدأً هاماً من مبادئ التـربية، فالتربية السليمة لابد أن ترعى صحة الابن، إنه لا يسوغ أبداً أن تهمل الأم ابنها أو طفلها الصغير أو طفلتها تجاوباً مع داعي النوم الذي يدعوها للراحة، ولا يسوغ أبداً أن تكون المكالمات الهاتفية والحديث مع بنات جنسها مدعاةً لانشغالها عن صبيتها ورعايتهم، والأب كذلك هو الآخر.
لهذا يوصي النبي صلى الله عليه وسلم  في حديث جابر في صحيح البخاري ، أن نحرص على رعاية الأبناء وحمايتهم مما قد يضرهم .  حدثنا يحيى بن جعفر حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا استجنح الليل أو قال جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم وأغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئا .(1)   وجاء في شرح الحديث : حديث صفية تقدم في الاعتكاف ، وفيه : " إن الله جعل للشيطان قوة على التوصل إلى باطن الإنسان " وقيل : ورد على سبيل الاستعارة أي أن وسوسته تصل في مسام البدن مثل جري الدم من البدن .(2)
إن المرء له جوانبه العقلية وجوانبه المعرفية وجوانبه الوجدانية ؛ فالتربية السليمة ينبغي أن ترعى هذه الجوانب كلها ولنقرأ – على سبيل المثال – قراءة سريعة عاجلة في التربية والتعليم الذي نراه على مستوى الأمة الإسلامية، هل التربية المدرسية الآن ترعى هذه الجوانب كلها أم أنها تتعامل مع جانبٍ واحدٍ فقط من هذه الجوانب؟ ماذا يتلقى الطالب في المدرسة؟ إن الذي يتلقاه لا يزيد على أن يكون معلومات معرفية مجردة جافة، وحتى هذه المعلومات تعطى إليه تلقيناً يطلب منه أن يعتاد أن يخضع ويسلم، وأن يعتاد على مبدأ التسول الفكري، يعتاد على أن يلغي عقله ويلغي تفكيره، فكل ما يقوله له والده صواب لا يحتمل الخطأ، وكل ما يقوله له حق لا يقبل الخطأ ولا النقاش.
إن هذه تربية غير متكاملة تربية لا متوازنة، إننا بحاجة إلى أن نعيد إلى النظر في مناهجنا التربوية، هل هي تغطي هذه الجوانب التربوية أم لا؟

ولك أن تتساءل كم هم من الشباب والفتيات الذين يعيشون في سن المراهقة ويعانون من مشكلات معيّنة تثور مع هذه المرحلة؟ وهل مناهج التعليم في العالم الإسلامي تتعامل مع هذه المشكلات في هذه المرحلة بما يليق؟ كم نرى في العالم الإسلامي بأسره من الشباب والفتيات

من رواد الجامعات ورواد المدارس، ممن يكونون ضحية للمخدرات أو للانحراف الجنسي أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)( الصحيح المسند - محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري-  موقع الإسلام – جزء : 11 – ص : 58 – حديث رقم : 3038 )
(2) ( فتح الباري شرح صحيح البخاري - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني - موقع الإسلام – جزء : 10 – ص : 65 – رقم : 3039 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


للخلل هنا وهناك، فأين أثر التربية ؟ أظن أن جزءاً كبيراً من المشكلة يكمن في أن التربية هنا تربية غير متكاملة فهي لا ترعى إلا جانباً واحداً فقط هو الجانب المعرفي فحسب .
وفي الجانب الواحد في الرفد ذاته نحتاج إلى تكامل وتوازن؛ فالتربية العلمية –على سبيل المثال- بحاجة إلى أن تكون تربية متكاملة متوازنة، وهذا يعني أن تتنوع التخصصات، وأن يتربى الشاب، على أن يحمل رصيداً متكاملاً وخلفية علمية متكاملة مما يحتاج إليه في مرحلته وسنّه، ويعني ثانياًأيضاً – أن يتعلم أدوات البحث ووسائله ومراجعه، ويتعلم المنهج العلمي الصحيح؛ فلا يكون التعليم قاصراً على شحن ذهنه بالمعلومات فحسب، وحين نمعن في مراجعة التربية المعرفية وحدها نجد أن هناك شرخاً واضحاً في هذا الجانب وخللاً واضحاً في رعاية التكامل والتوازن فيه، فما بالكم بسائر الجوانب الأخرى.

ومن المهم أن نعنى بتربية النشء، وتربية الشباب، وتربية طلاب العلم، وأن تصرف جهود كبيرة في ذلك؛ لكن حين نغفل عن تربية قطاع مهم من قطاعات المجتمع، عن تربية المرأة والفتاة، وعن تربية الطفل فإن هناك إخلالاً بالتكامل.
إنك تُسرُّ وأنت ترى الجهود المبذولة في تربية الشباب وتربية الجيل، لكنك يدركك الأسى حين تتأمل في الجهود المبذولة في تربية الفتاة وتربية المرأة –على سبيل المثال- فما الجهود التي تبذل لتربية هذا القطاع المهم من قطاعات المجتمع ؟ وما حجم الكتابات والأعمال والجهود والمدارس التربوية التي تقدم للطفل المسلم الذي يرى وهو في منزله الأفلام التي تحكي له الشرك بالله – عز وجلعافانا الله وإياكم؟ وللطفل الذي يتربى على الشهوات من صغره؟ وقل مثل ذلك في سائر الطبقات.
 
ولا شك بأن تتكامل الجهود وتتضافر في كامل المؤسسات التربوية من المنـزل والمدرسة والإعلام والمسجد؛ فلا يليق أن تربي المدرسة الشاب تربية يسمع نقيضها بعد ذلك في الشارع، ويراها في وسائل الإعلام؟ إننا نعيش ازدواجية تربوية فيسمع من خلال المنبر في خطبة الجمعة حديثاً يرى نقيضه في الشارع، ونقيضه في النادي، ونقيضه في وسائل الإعلام، ونقيضه في المنـزل، يسمع حديثاً في المدرسة ثم يرى نقيضه بعد ذلك في سائر المؤسسات! إن مثل هذا السلوك لا يعدو أن يُخرج لنا جيلاً يعيش في حلقات مُفرغة.
وحين نكون جادين في تربية الجيل، فلتتكامل مؤسسات التربية كلها في المجتمع لتسير في خط واضح واحد يتفق مع عقيدتنا الإسلامية، ومع منهجنا، ومع هوية الأمة، وحينئذٍ نرى الثمرة اليانعة بإذن الله.
إننا نرى على - سبيل المثال - في المنـزل –وهو الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية- تناقضاً تربويًّا بين قطبي الأسرة، بين الأب والأم؛ فالأب له كلمة تخالف كلمة الأم، والأم لها منهج يخالف منهج الأب، وكيف نتصور شابًّا صغيراً أو فتاةً صغيرةً ترى التناقض وازدواجية التوجيه داخل البيت من الأم والأب؟
وقد يكون هناك خلاف بين الأب والأم حول بعض الوسائل أو الأساليب التربوية، وقد يكون بينهم خلاف حول بعض الحلول لبعض المشكلات، وهذا أمر طبعي بل ينبغي أن تختلف وجهات النظر؛ لكن هذا شيءٌ، وبروز هذا الخلاف على السطح شيءٌ آخر، هذا شيء، والتعامل مع الطفل من خلال الاختلاف شيءٌ آخر.
إننا وللأسف في مجالات كثيرة لا نحسن إلا أسلوباً واحداً : أسلوب التوجيه المباشر أسلوب الأمر والنهي، أسلوب الترهيب والوعيد والعقوبة، من الأب الذي يكافئ ابنه ويثني عليه حين يحسن؟ ومن الأستاذ الذي يكافئ تلميذه حين يبدو منه موقفاً يستحق المكافأة والثناء؟
وحين نستخدم العقوبة فإننا ينبغي أن نستخدم بالقدر نفسه - أيضاً – الثناء والثواب؛ وحين نستخدم الترهيب فإننا ينبغي أن نستخدم بالقدر نفسه الترغيب؛ وحين نستخدم التوجيه المباشر فإننا ينبغي - أيضاً – أن نستخدم بالقدر نفسه التوجيه غير المباشر؛ إننا نفتقر كثيراً في مؤسساتنا التربوية في المدرسة والمنـزل-بل ربما في الدرس التربوي في المسجد- نفتقر إلى التكامل بين الوسائل والأساليب التربوية؛ فلا نكاد نجيد إلاّ أساليب محدودة، والأساليب المحدودة ربما تصب في قالب واحد ولا شك أن هذا سوف ينتج لنا تربية نشازاً .
وحين نقرأ القرآن الكريم نجد أن القرآن ينوع بين الترغيب والترهيب، والقصة والموعظة، وبين الثناء وبين العتاب على الخطأ. وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هكذا؛ فهو عليه الصلاة والسلام تارة يثني على أصحابه، وتارة يعاتب أحدهم، وتارة يغضب عليه وتارة يوجه توجيهه مباشراً، وتارة غير مباشر، وهكذا نرى هديه عليه أفضل الصلاة وأتم اتسليم في التكامل بين الأساليب والوسائل التربوية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق