الاثنين، 18 فبراير 2013

الخصائص التربوية للقرآن والسنة .


بسم الله الرحمن الرحيم

الخصائص التربوية للقرآن الكريم والسنة النبوية 

تميزت التربية في القرآن الكريم والسنة النبوية بخصائص الكمال والتوازن والواقعية مما أضفى على منهجها الشمول في جميع الجوانب التي يحتاجها الإنسان وبما يتوافق مع الفطرة الإنسانية . ومن أبرز الخصائص والسمات التربوية للقرآن الكريم والسنة النبوية :

أولاً / الربانية :

أن أحكام الإسلام وتوجيهاتها مصدرها الأصلي من الرب U وليست نابعة من أهواء البشر وهذا ما يميزها عن النظريات الوضعية التي مصدرها النفعية الهوى والأفكار القابلة للرد والتعديل فتتغير وتتبدل حسب الأهواء والشهوات ، وهذه الربانية تجعل الإنسان يتوجه لرب واحد لا شريك له ، يستمد الأوامر والنواهي من كتابه وسنة نبيه محمد r ويجعل نيته خالصة لله تعالى ، التزاماً بقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) ö} (1) ويقول ابن كثير : يأمر الله تعالى نبيه محمد r أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له ،  { وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } قال قتادة أي من هذه الأمة وهو كما قال فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام وأصله عبادة الله وحده لا شريك له .(2)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأنعام : آية رقم ( 162-163).

(2)( تفسير القرآن العظيم – ابن كثير  – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- ط 1- المجلد الأول – ص. 206).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
والربانية من حيث الهدف والغاية تعني أن المسلم في ظل التوجيهات الإسلامية يبتغي بأفعاله وأقواله رضا الله U فهو يستمدها من منهج الله تعالى متبعاً في ذلك أمر الله U   { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)  } (1) . ويقول الصابوني : أي وبأن هذا ديني المستقيم شرعته لكم فتمسكوا به ولا تتبعوا الأديان المختلفة والطرق الملتوية فتفرقكم وتزيلكم عن سبيل الهدى عن ابن مسعود قال : خط لنا رسول الله r يوماً خطاً ثم قال هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطاً عن يمينه ويساره ثم قال : هذه سُبُل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ثم قرأ {  وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) } كرر الوصية على سبيل التوكيد أي لعلكم تتقون النار بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه .(2)

والتوجيه الإسلامي يربط حياة المسلم بربه ، فيربط مابين الإيمان و الحب في الله والسبيل إلى ذلك خُلُق إفشاء السلام ، قال r { لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ،أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشو السلام بينكم } رواه الترمذي

كما أن التخلق للوالدين بالأخلاق الفاضلة من جملة طاعة رب العالمين ، قال تعالى       {  وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (3) ويقول ابن كثير : يقول تعالى آمراً بعبادته وحده لا شريك له فإن القضاء هنا بمعنى الأمر، قال مجاهد {  وَقَضَى } يعني وصّى ، وقرن بعبادته بر الوالدين وبالإحسان إليهما . (4)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)سورة الأنعام : آية رقم (153).

(2)(صفوة التفاسير – محمد علي الصابوني – دار القرآن الكريم – بيروت – 1402هـ - ط 4 – المجلد الأول – ص. 429 ) .

(3)سورة الإسراء : آية رقم ( 23 ) .

(4)( تفسير القرآن العظيم – ابن كثير  – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- ط 1- المجلد الثالث – ص. 37).

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
وفي عموم الإحسان ، والتخلق بالعدل والأمانة ، فالتوجيه الرباني يوجه الإنسان لأفضل الأخلاق وأنبلها حتى يبنى مجتمع يسوده العدل والأمانة والإخلاص والعفة وسائر مكارم الأخلاق ويطهره من الرذائل التي تهدم الفضائل وتفكك المجتمعات . حيث قال تعالى      { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } (1) ويقول ابن كثير : قال السدي أما الإثم فالمعصية والبغي أن تبغي على الناس بغير الحق وقال مجاهد الإثم المعاصي كلها وأخبر أن الباغي بغيه على نفسه وحاصل ما فسر به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه والبغي هو التعدي إلى الناس فحرم الله هذا وهذا .(1)

ثانياً / الشمول والتكامل :

يتصف توجيه التربية في القرآن الكريم والسنة النبوية بالشمول والتكامل في كل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته ومعاده ، حيث أنه في شموله موضوعي وإنساني وفطري وزماني ومكاني ، وذلك لأنه لم يفصل بين الدين والدنيا بل شمل جميع شئون الحياة في الدنيا والآخرة ، وزماني لأنه التشريع الخالد إلى أن تقوم الساعة ، وإنساني لأنه خاطب البشرية عامة ، وفطري لأنه يتوافق مع مطالب الروح والجسد ، ومكاني لأنه صالح لكل زمان ومكان ، فهو ليس خاص بزمان محدد أو مكان محدد .

كما بين في شموليته علاقة الإنسان بربه الذي خلقه وعلاقته بنفسه وبوالديه وبأسرته وبجيرانه وبمجتمعه الذي يعيش فيه ونجد أن التوجيهات الإسلامية شملت الرجال والنساء والصبيان وشملت جميع جوانب الأخلاق وليس هذا فحسب بل شملت العلاقة الزوجية أيضاً حيث يوجهنا إلى المعاشرة بالمعروف فقال تعالى :

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) }(2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)( تفسير القرآن العظيم – ابن كثير  – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- ط 1- المجلد الثاني – ص. 220).

(2) سورة النساء : آية ( 19 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


 ويقول القرطبي في قوله تعالى { 4 وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أي : على ما أمر الله به من حُسنِ المعاشرة ، والخطاب للجميع ، إذ لكل أحدٍ عشرةٌ ، زوجاً كان أو وليّاً ، ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج ، وذلك توفيه حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مُظهراً ميلاً إلى غيرها .(1)

ومن التوجيهات أيضاً الإحسان للمجتمع ، و في آداب الاستئذان والزيارة ،  فلم يترك القرآن الكريم والسنة النبوية جانباً من جوانب الحياة إلا وقد تناولها و وضح لنا فيها الخير والشر والطاهر والخبيث والصحيح من الفاسد ، فهذا هو الشمول وغاية الكمال حيث قال تعالى :

 { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }(2) ويقول ابن كثير : هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل الله تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه ، ولهذا جعله خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن فلا حلال إلا ما أحله ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف ،فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة ، وقوله { وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } أي فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه وبعث به أفضل الرسل الكرام وأنزل به أشرف كتبه .(3)

ثالثاً / التوازن :

من خصائص التربية في القرآن الكريم والسنة النبوية أنها ملائمة للفطرة الإنسانية فهي تهتم بتربية جميع جوانب الإنسان الخُلُقية والجسمية والعقلية وتحقق التوازن بين مطالب الإنسان الجسدية والروحية فلا يطغى جانب على جانب آخر بحيث تجعل الإنسان في صراع نفسي وعناء داخلي وكبت لغرائزه التي فطره الله عليها فعندما أمر الله تعالى بالأخلاق الفاضلة حذر الإنسان من الرذائل وشرع له الطرق والسبل لإقامة ذلك التوازن .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)(الجامع لأحكام القرآن  - أبي عبدالله القرطبي – تحقيق عبدالله التركي- مؤسسة الرسالة – 1427هـ - ط 1 الجزء السادس – ص .159)

(2) سورة المائدة : آية رقم (3) .

(3)( تفسير القرآن العظيم – ابن كثير  – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- ط 1- المجلد الثاني – ص. 14).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

فقد أباح له مثلاً الزواج وتعدد الزوجات إلى أربع زوجات وبين له طريقة العدل في التعامل مع زوجاته ،حيث قال تعالى {  فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) } (1) ويقول الصابوني : أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهنّ إن شاء أحدكم اثنتين وإن شاء ثلاثاً وإن شاء أربعاً وإن خفتم من عدم العدل بين الزوجات فالزموا الاقتصار على واحدة ، أو اقتصروا على نكاح الإماء لملك اليمين إذ ليس لهن من الحقوق كما للزوجات ، وإن الاقتصار على الواحدة أو على ملك اليمين أقرب ألا تميلوا وتجوروا . (2)  

 وحذره من رذيلة الزنا ووضع لها حداً شرعياً .  حيث قال تعالى {  الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) } (3)  ويقول ابن كثير : هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد ، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكراً وهو الذي لم يتزوج ، أو محصناً وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فأما إذا كان بكراً لم يتزوج فإن حده مئة جلدة كما في الآية ويزداد على ذلك أن يغرب عاماً عن بلده عند جمهور العلماء خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب ، وأمر رسول الله r برجم المرأة زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زنت مع الأجير ورجم رسول الله r ماعزاً و الغامدية وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله r أنه جلدهم قبل الرجم وإنما وردت الأحاديث الصحيحة المتعاضدة المتعددة الطرق والألفاظ بالاقتصار على رجمهم وليس فيها ذكر الجلد . (4)  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النساء : آية رقم (3) .

(2) ( صفوة التفاسير – محمد علي الصابوني – دارالقرآن الكريم – بيروت -1402هـ - ط 4 – المجلد الأول-ص.259 ).

(3) سورة النور : آية رقم (2) .

(4)( تفسير القرآن العظيم – ابن كثير  – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- ط 1- المجلد الثالث – ص. 271-272).

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ولحاجة الإنسان إلى المال أحل له التجارة وحثه على العمل والكسب الحلال وحرم عليه الربا ، حيث قال تعالى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } (1) ويقول الصابوني : أي أحل الله البيع لما فيه من تبادل المنافع ، وحرم الربا لما فيه من الضرر الفادح بالفرد والمجتمع ، لأن فيه زيادة متقطعة من جهد المدين ولحمه . (2)

ولحاجة الإنسان إلى الطعام أحل له الطيبات من الرزق وحرم عليه الخبائث من الأطعمة والأشربة حيث قال تعالى { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } (3) ويقول ابن كثير : أي يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى .قال بعض العلماء فكل ما أحل الله تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين .(4)

فنجد أن التوازن سمة من سمات التوجيه في القرآن الكريم والسنة النبوية الأمر الذي لا يدع مجالاً للفرد أن يحيد عن الفضيلة الخُلُقية ليقترف رذيلة أو يسلك طريقاً معوجاً ليشبع حاجة من حاجاته ، فلا إفراط ولا تفريط .

 عن أبي سلمه ؛ قال : حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ قال : كنت أصوم الدهر ، وأقرأ القرآن كل ليلة ، فإما ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإما أرسل إلي فأتيته ، فقال : " ألم أخبر أنك تصوم الدهر ، وتقرأ القرآن كل ليلة ؟ ! ، فقلت : بلى يا رسول الله ، ولم أر في ذلك إلا الخير ، قال : " فإن كان كذلك ، أو قال : كذلك ) ؛ فحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام " ، قلت : يا نبي الله ! إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : " فإن لزوجك عليك حقا ، ولزوارك عليك حقا ، ولجسدك عليك حقا " ، قال : فصم صوم داود نبي الله ؛

فإنه كان أعبد الناس " ، قال : فقلت يا نبي الله ـ وما صوم داود ؟ قال : " كان يصوم يوما ويفطر يوما " ، قال : " واقرأ القرآن في كل شهر " ، قال : فقلت يا نبي الله ! إني أطيق أفضل من ذلك . قال : فاقرأه في كل عشرين ، قال : قلت : يا نبي الله ! إني أطيق أفضل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة البقرة : آية رقم ( 275 ) .

(2)( صفوة التفاسير – محمد علي الصابوني – دارالقرآن الكريم – بيروت -1402هـ - ط 4 – المجلد الأول-ص.175 ).            
(3) سورة الأعراف : آية رقم ( 157 ) .                                                                                     
 (4)( تفسير القرآن العظيم – ابن كثير  – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- ط 1- المجلد الثاني – ص. 264-265) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


من ذلك ، قال : " فاقرأه في سبع ، ولا تزد على ذلك ؛ فإن لزوجك عليك حقا ، ولزوارك عليك حقا ، ولجسدك عليك حقا ، قال : فشددت فشدد ( الله ) علي ، قال : وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر " ) . (1)

 

حيث نلاحظ في التوجيه النبوي التوازن بين مطالب الجسد والروح والتوازن الخلقي بين حق الله وحق الأهل وحق الضيف وحق النفس .

 وقال تعالى { š وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } (2) ويقول ابن كثير : أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة  ، وقوله :    { وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن و المناكح فإن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً ، ولزورك عليك حقاً فآت كل ذي حق حقه . (3)

رابعاً / الثبات والمرونة :

في التوجيه في القرآن الكريم والسنة النبوية  ثوابت لا يمكن تغييرها أو تبديلها أو حذفها ، وهي القواعد الكلية والمبادئ العامة والأحكام الجزئية التي ورد فيها النص ، فإنها لا تتغير ولا تتبدل ، كوجوب أداء الأمانات إلى أهلها ، و وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و وجوب رد المظالم إلى أهلها ، وتحريم السرقة والغش والربا وتحريم بيع المسلم على بيع أخيه ، فإن هذا كله لا يدخله التغيير أو التبديل .

ولكن المرونة تظهر في القدرة على وضع الحلول التي تطرأ على حياة الناس ، والسر في مرونة الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان هو إن الإسلام جاء بقواعد كلية وقيم ومبادئ ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، ثم وجه العلماء للنظر والاجتهاد في المسائل والحوادث الجزئية التي تستجد في إطار هذه القواعد والمبادئ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (الاعتصام – إبراهيم بن موسى الغرناطي ( الشاطبي)-دار ابن عفان – 1412هـ - الجزء الأول –ص.381 )

(2) سورة القصص : آية رقم ( 77 ) .                                                                                              
(3) ( تفسير القرآن العظيم – ابن كثير  – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- ط 1- المجلد الثالث – ص. 410) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

فالإسلام وجه المربي سواءً كان أباً أو أماً أو من له حق الولاية في التربية إلى مسئوليته التربوية ، حيث قال تعالى :  {ä  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  } (1) وقال ابن كثير : قال مجاهد { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله وقال قتادة تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم ن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها ،    { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } وقودها أي حطبها الذي يلقي فيه جثث بني آدم ، والحجارة قيل المراد بها الأصنام التي تعبد .(2)

حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته قال فسمعت هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال والرجل في مال أبيه راع وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته . صحيح البخاري

ولم يحدد القرآن الكريم والسنة النبوية وسيلة محددة للتربية لا يمكن تجاوزها ، فنجد لعلماء المسلمين اختيار ما لا يتعارض مع منهج القرآن الكريم والسنة النبوية مما يستجد من وسائل تربوية مفيدة للأمة الإسلامية .

خامساً / الواقعية :

تتضح ملامح الواقعية من خلال الحقائق الموضوعية المتوافقة مع الفطرة البشرية ومع القدرات الإنسانية لامع تصورات عقلية مجردة ولامع مثاليات لامكان لها في حياة الإنسان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سورة التحريم : آية ( 6 ) .

 (2) ( تفسير القرآن العظيم – ابن كثير  – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- ط 1- المجلد الرابع – ص. 417) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

فعلى سبيل المثال نجد أن الإنسان يحب من يتصف بالمواصفات الأخلاقية الفاضلة فتراه يحب الأمين الصادق العفيف الورع الخلوق ، وينبذ الإنسان البذيء المنافق النمام ، فنجد أن التوجيه في القرآن الكريم والسنة النبوية يوجه إلى السمو الأخلاقي الواقعي الذي يطمح إليه ويرغبه الإنسان بفطرته السليمة ، فالإنسان في واقعه يحب العدل والأمانة .

حيث قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } (1) يقول ابن كثير : يخبر الله تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز وجل على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك فأمر الله عز وجل بأدائها فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة {  وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ  } أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس . (2)

والإنسان في واقعه يحب من يحسن إليه ، ولا يحب الكبرياء ، ولا أن يغتابه أحد أو أن يسخر منه أحد ، فنجد أن التوجيه في القرآن الكريم والسنة النبوية يمتاز بالواقعية فهذا هو الدين القيم ، حيث قال تعالى :{ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) } (3) ويقول الصابوني : أي هذا الدين الحق الذي أمرناك بالاستقامة عليه هو خلقة الله التي خلق الناس عليها وهو فطرة التوحيد وأنه لا تغيير لتلك الفطرة السليمة ، والدين القيم هو الدين المستقيم ، وأكثر الناس جهلة لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقاً معبوداً .(4)

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النساء : آية رقم ( 58 ) .

(2) ( تفسير القرآن العظيم – ابن كثير  – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- ط 1- المجلد الأول – ص. 527-528) .

(3) سورة الروم : آية رقم (30) .

(4) ( صفوة التفاسير – محمد علي الصابوني – دارالقرآن الكريم – بيروت -1402هـ - ط 4 – المجلد الثاني-ص.478 ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

ومن الخصائص أيضاً :

1-    التدرج في التعليم .

2-    تنوع الأساليب .

3-    الاهتمام بالجانب العقلي .

4-    التسامي وإعلاء الغرائز .

5-    التوازن .

6-    تحث على طرد الوساوس الداخلية والعلاج الروحي .

7-    يراعي تطبيق الثواب والعقاب في تأديب الإنسان .

8-    شمول الخطاب للإنسان بدون تحديد الجنس واللون .

9-    العمل بمقتضى العلم .

10-                   المساواة .

     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق