الثلاثاء، 19 فبراير 2013

مشكلة تربوية - منوعات -


بسم الله الرحمن الرحيم

مشكلة تربوية

 

 إن الحمد لله  نحمده ، و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له  ،       وأشهد أ ن محمداً عبدُه و رسولُه    .أما بعد :
 ففي عام 1421 هـ  تم نقلي إلى مدرسة في إحدى قرى المدينة المنورة حيث تبعد ( 90 كلم ) عن المدينة المنورة ، كما تبعد عن الطريق السريع ( 25 كلم ) ولقد كان الطريق إلى المدرسة غير معبد ، وكان مبنى المدرسة مستأجراً ، أما عن الخدمات المتوفرة في القرية كانت متواضعة جداً فلا يوجد بها إلا مستوصف واحد فقط ، ولا توجد شبكة هاتف ثابت أو جوال ، أما عن الكهرباء فقد كانت بمولدات تعمل لعدد محدد من الساعات ، فكانت المولدات تعمل صباحاً من الساعة السابعة حتى الساعة الحادية عشر صباحاً ، وفي المساء تعمل من قبل صلاة المغرب حتى الساعة العاشرة مساءً .

وكانت هذه الحياة البسيطة تنعكس على طلاب المدرسة ، كذلك المعلمين القاطنين بالقرية ، فمن النادر جداً أن يتأخر الطلاب عن الحضور المبكر ، وإن حصل ذلك يكون بسبب عطل في السيارة التي تقلهم إلى المدرسة ، ولم أشاهد أن طالب من الطلاب ينعس في الفصل لقلة نومه ، بل تجد فيهم النشاط والحيوية من بداية اليوم الدراسي إلى نهايته ، ومن النادر أن تشاهد ظاهرة الغياب في المدرسة ، وإن حصل فهو نتيجة مرض أحد الطلاب . أما عن الأخلاق فقد كانت أخلاق الطلاب تتسم بالأدب والاحترام فيما بينهم ، وحتى طريقة التعامل مع المعلمين في منتهى الأدب والاحترام ، فلا تسمع في يوم أن طالباً تطاول على زميله أو على معلمه .

وفي عام 1426 هـ  تم توصيل التيار الكهربائي إلى القرية ، وغدت القرية تتلألأ ليلاً وتم تركيب المكيفات في القرية وفي المدرسة ، ونجم عن ذلك السهر ليلاً والنوم متأخراً ، مما انعكس على دوام الطلاب حيث أصبحوا يحضرون  متأخرين عن الطابور الصباحي وأحياناً عن الحصة الأولى ، وتجد بعض الطلاب ينعس في الفصل ، ليس هذا وحسب بل تغيرت أخلاق بعض الطلاب والسبب في ذلك أن أغلب سكان القرية وإن لم يكن جميعهم قد أحضروا ما أسميه رأس الشيطان ألا وهو ما تعددت مسمياته  ( الدِش ، الطبق ، الصحن ، الستالايت ، الفضائي ، ..... ) فهو جهاز يستقبل جميع القنوات الفضائية العالمية ليعرضها في التلفاز ، ولا شك أن هذه التقنية تفيد جداً لو استخدمت في الخير مثل نقل الصلاة

 

مباشرة من الحرمين الشريفين ، أو نقلت برامج الفتاوى ، أو نقلت البرامج التعليمية ، وغيرها من الفوائد العظيمة .

ومن الطبيعي جداً أن التقنية الحديثة هي سلاح ذو حدين ، فإن لم يستفد منها الإنسان الفائدة الحسنة سيأخذ الفائدة السيئة ، ومن مساوئها العديدة أنها تنقل برامج ومسلسلات وأفلام وبرامج هابطة وأغاني ماجنة ، كما تنقل نمط حياة لا يتفق مع مجتمعاتنا الإسلامية ، كما أننا لو نلاحظ قبل عشرات السنين لم يكن هناك ظهور للنساء في الشاشات ، بل إنه عند بداية ظهور التلفاز في المدينة المنورة تحديداً كان النساء في بيوتهن يتجنبن الجلوس أمام التلفاز عندما يكون هناك مقدم للبرنامج ، بل إن من النساء من تغطي وجهها من شدة الحياء ، ومع مرور الزمن أصبح الأمر أقل تعقيداً ، ثم إنك لم تكن تلاحظ خروج النساء في البرامج التلفزيونية ، وبعد مرور مدة من الزمن أصبحنا نشاهد ظهورهن في بعض البرامج وبحجاب كامل ، أما الوقت الحالي تغيرت الأمور حيث أصبحن يظهرن متبرجات يضعن المساحيق الملونة على وجوههن ( المكياج ) ويظهرن شعر الرأس ، بل وأحياناً نشاهد برامج فيها اختلاط واضح فيكون هناك مقدم للبرنامج يجلس بجانب مقدمة البرنامج ويتبادلون الضحك والمزاح ، أليس هذا مدعاة للاختلاط وتشجيع إليه ؟ فكم من فتى وفتاة أمام هذه البرامج يشاهدونها ويتعلمون منهم التساهل في هذه الأمور ، ولا نغفل عن البرامج الرياضية والإعلام الرياضي ، وما ينقل من مباريات محلية أو دولية ، أو المصارعة الحرة ، أو سباق السيارات ( راليات أو سريعة ) ، وغيرها من البرامج الرياضية فهي تنقل أفكار ومبادئ وسلوكيات غير لائقة في مجتمعاتنا ، وكذلك نجد أن الشباب اتخذوا بعض اللاعبين أو النجوم كما يحلو لهم أن يسموهم قدوة لهم في الحياة ، فتجد الشاب يقلد النجم في حركاته وتصرفاته وفي ملابسه وقصة شعره ، أو يقلد أيضاً بعض الحركات في الأفلام التي يشاهدها .

وتبع دخول الكهرباء أيضاً دخول الاتصالات إلى القرية حيث أصبح جهاز الهاتف المتنقل ( الجوال ) في متناول الجميع ، ففيما لا شك فيه أنه في ظل وجود الكهرباء والاتصالات سيظهر جلياً استخدام الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت )  وهذا يعتبر شيئاً جيداً لو استثمر الاستثمار الأمثل .

لقد أصبح استخدام الشبكة العنكبوتية الأكثر شيوعاً في وقتنا الحاضر ، حيث تجد الكبير والصغير يستخدم هذه التقنية ، باختلاف المستوى التعليمي ، و نجد أن طلاب المدارس والجامعات ؛ يستقون من هذه الخدمة الشيء الكثير ، فمن يبحث عن المعلومات العلمية يجدها بغزارة في هذه الشبكة .

 

 

ومن يريد السفر للسياحة مثلاً يجد ما يحتاجه من تعرف على المناطق السياحية المناسبة له ، وكذلك حجوزات الفنادق ، وتذاكر السفر ، والتنقلات ، واستخراج تأشيرة السفر .

وكما هو معلوم أن المملكة العربية السعودية تواكب هذا التطور في معاملاتها الحكومية ، فأصبح لديها ما يعرف بالحكومة الإلكترونية ، حيث يستفيد منها المواطن والمقيم في شتى المجالات   ( المرور ، الجوازات ، الأحوال المدنية ، البريد السعودي ، التأمينات الاجتماعية ، البنوك المحلية ،  المحاكم الشرعية ، الخطوط السعودية ، مكتب العمل والعمال ، المدارس ، الجامعات ، التعليم العالي ، ...... وغيرها ) وكذلك قنوات أو وسائل الاتصال الاجتماعي (الفيس بوك ، وتويتر ، والبال توك ، والإسكاي بي ، وغيرها ) حيث أن هذه القنوات تقرب البعيد وتوفر المال المهدر في الاتصال الهاتفي ، فكم من الأبناء تغرب عن وطنه للدراسة ، أو للعمل ، ومن هذه القنوات ما يثار ويناقش بها مواضيع علمية أو مواضيع تهم المسلمين عامة .

  ومما لا ريب فيه أنه لو أردنا ذكر محاسن هذه التقنية فلن يسعنا هذا المقام لذكرها ، ولكن يجدر بنا أن نوضح أن لهذه التقنية الفوائد الجليلة على مستوى المجالات .

ولكن لا يجب أن نغفل عن الجانب الأخر وهو عكس ما أوردناه سابقاً ، فالجانب المظلم السوداوي الذي يشوب هذه التقنية هو الاستخدام الضار ، الذي يضر بصاحبه ، فمع الأسف الشديد نجد بعض الشباب وبل بعض الكبار أيضاً لا يحسن استخدام هذه التقنية فتجده يبحث عن الأماكن السياحية التي يجد فيها ما يبتغيه من الملذات والشهوات ، وتجده يبحث في المواقع المشبوهة التي تنتشر فيها الرذيلة ، ويشاهد ويسمع ما حرم الله سبحانه وتعالى ، فلا يكل ولا يمل يجوب بين المواقع بحثاً عن الملذات والشهوات ، ومع الأسف الشديد كل ذلك يحسب من عمره دون جدوى ، ودون هدف ، فكم من وقت أضاعه يغوص في بحر من المعاصي والعياذ بالله ، بل وتجد بعضهم من شدة جهله يجلس في عمله مستخدماً هذه التقنية في البحث والتنقيب عن ملذاته تاركاً مصالح الناس وراء ظهره .

ولقد تنوعت مؤخراً ما يعرف بقنوات أو وسائل الاتصال الاجتماعي ، ومنها ( الفيس بوك ، وتويتر ، والبال توك ، والإسكاي بي ، وغيرها ) فبقدر ما تقدمه هذه القنوات أو الوسائل من خدمة للبشر، فهي أيضاً تستغل أحياناً في غير ذلك ، فيحصل التعارف بين الجنسين ، ومن الممكن أن يحصل ما لا يحمد عقباه ، أو قد تستغل هذه التقنية في أغراض أخرى مثل الإرهاب مثلاً ، أو في تحريض الشعوب كما

 

 

حصل في أغلب الدول العربية مؤخراً ، أو كما يزعمون أنه الربيع العربي ، ولا شك أنه مخطط من أعداء الإسلام الحاقدين الذين يسعون أن يهلكوا الشباب بشتى الوسائل .

 ولكن يظل السؤال المهم هل طلابنا يحسنون استعمال التقنية في ما يثري معلوماتهم ، أم أنهم يحسنون استعمال التقنية ولكن في مجالات بعيدة عن المأمول ؟ 

لا نستطيع أن نلقي اللوم على الطالب وحده فقط ، فإن كلاً من الأسرة والمدرسة و وسائل الإعلام وخطباء المساجد يشتركون في هذه المسئولية .

 

ولوضع حلول لهذه المشكلة فإني أقترح ما يلي :

يجب على الأسرة أن :

1-    يعي الوالدان خطورة هذا التطور التقني .

2-   عدم ترك الأبناء يشاهدون التلفاز دون رقيب أو حسيب .

3-   أن يشاهد الوالدان ما يشاهده الأبناء في التلفاز .

4-   عدم السماح للأبناء بوضع التلفاز في غرفهم الخاصة .

5-   عدم السماح للأبناء بالجلوس في غرفهم الخاصة بصحبة الحاسب الآلي الموصول بالشبكة العنكبوتية دون رقابة .

6-   حرمان الأبناء من مشاهدة التلفاز أو استخدام الحاسب الآلي عند ملاحظة التصرفات والسلوكيات الغير جيدة .

7-   التأكد من مدى ملائمة أصدقائهم لصداقاتهم .

8-   مراعاة سن البلوغ لدى الأبناء ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة مثل الصيام ، وممارسة الرياضة النافعة ، وعدم تركهم ينامون في أوقات الظهيرة ، لما في ذلك من راحة زائدة للجسم وتؤدي إلى السهر ليلاً .

9-   عدم السماح للأبناء الصغار باستعمال الحاسب الآلي تقليداً للكبار .

 

 

  المدرسة :  

1-   يجب على المعلمين توجيه الطلاب لخطورة التلفاز .

2-   يجب على المعلمين توجيه الطلاب لخطورة الشبكة العنكبوتية .

3-   يجب على المعلمين ملاحظة الطلاب الذين يستخدمون الحاسب الآلي في المعمل .

4-   الشراكة في التوجيه بين المعلمين والمرشد الطلابي .

5-   أن تكون هناك ندوات أو محاضرات يعدها معلمو التربية الإسلامية يكون موضوعها في خطورة التلفاز والحاسب الآلي .

6-   إعداد لوحات إرشادية و توعوية بهذا الشأن .

7-   أن تساهم إدارة المدرسة في تثقيف أولياء الأمور فمنهم من لا يعي دوره في هذا الشأن .

8-   أن يغرس المعلمون العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الطلاب .

9-   تربية الطلاب على التربية الذاتية .

وسائل الإعلام : 

1-   يكمن دور الإعلام في تثقيف المجتمع بأسره في هذا الشأن .

2-   يجب على الإعلام أن يراعي خطورة اتخاذ بعض المشاهير قدوة تتبع .

3-   إعداد برامج مرئية ومسموعة تحذر من خطورة ما يذاع أو يشاهد في وسائل الإعلام العالمية .

4-   تشجيع الشباب على ممارسة الرياضة بدلاً من الخوض في تفاصيل حياة اللاعبين أو المشاهير في عالم الرياضة .

5-   إن ما يشاهده الشباب من حركات في بعض المباريات العالمية المنقولة قد يقلد في بعض الأحيان من قبل الشباب .

6-   إيجاد مواضيع وقضايا تجذب الشباب للاستخدام الأمثل للتقنية .

 

 

 

 

 

المسجد :

1-   يجب على أئمة المساجد أن تشمل خطبهم خطورة التقنية وسلبياتها لأخذ الحيطة والحذر لدى الأسرة .

2-   إعداد برامج للشباب بعد صلاة العصر مثلاً تكون رياضية وترويحية حتى تشغل أوقاتهم بما ينفعهم .

3-   أن يستشعر إمام كل مسجد المسئولية تجاه أبناء الحي .

4-   الأخذ بمبدأ الشراكة بين المسجد والأسرة والمدرسة .

 

وفي الختام يجدر بنا أن نقول أنه يجب على المجتمع بكافة أفراده و وسائطه استشعار خطورة التقنية الحديثة ، فعلى الجميع التوجيه وكلاً على حسب موضعه ، الآباء من خلال الأسرة ، والمعلمون من خلال المدرسة ، ورجال الإعلام من خلال وسائل الإعلام ، والأئمة والخطباء من خلال المساجد ، وكل مدير دائرة أو رئيس قسم هو مسئول عن موظفيه ، ذلك يتجلى لنا في الحديث الشريف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) (1) .

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)( الصحيح المسند ، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبدالله. الإمام الحافظ صاحب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري – الجزء( 22 ) – ( ص : 43 ) –  ( حديث رقم 6605 ) – المكتبة الشاملة )

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق