الثلاثاء، 7 مارس 2023

الأساليب المنهجية الحديثة في الدراسات المستقبلية في التربية - المنهج الاستعادي، التاريخي، الاستردادي - المنهج الإنثوجرافي

 

     الأساليب المنهجية الحديثة في الدراسات المستقبلية في التربية

المنهج الاستعادي:

     يعد المنهج الاستعادي من مناهج البحث التي اختلف حولها آراء المهتمين بمجالات البحث في التربية وعلم الاجتماع وعلم النفس، وعلى الرغم من أهمية هذا المنهج وشيوع استخدامه فإنه لم يجد الاهتمام كغيره من مناهج البحث الأخرى، فقد ظهر اختلاف بين علماء البحث في العلوم الإنسانية حول موضوع هذا المنهج، وهل هو منهج بحث مستقل له مجاله وتصميماته المميزة؟ أم أنه مجرد طريقة أو نوع من الدراسات المتضمنة منهج آخر؟

     حيث ذهب البعض إلى أن المنهج الاستعادي مماثل للدراسات العليا المقارنة إحدى الدراسات الارتباطية المتضمنة في المنهج الوصفي كطريقة من طرقه في البحث، وذهبت طائفة منهم إلى أن وظيفتا المنهج الاستعادي والمنهج الشبه تجريبي متماثلان.

     بينما اهتمت طائفة أخرى بالمنهج الاستعدادي وفصلته عن غيره من المناهج، وقدمت أدلة تشير إلى اختلافه عن المنهج الوصفي والمنهج التجريبي والمنهج الشبه تجريبي (الخشيبي، 1987م: 296) كما يسمى هذا المنهج: الاستردادي، التاريخي، الماضوي (عبدالرحمن، 2018م: موقع إلكتروني) وفي هذه الدراسة سوف يتم استخدام كلمة منهج: استعادي، استردادي، تاريخي؛ وفقاً لما توفر للباحث من مصادر ومراجع.

مفهوم المنهج الاستعادي:

بداية يتم التعريج على التعريف اللغوي والاصطلاحي للمنهج.

     المنهج لغة: يقول ابن منظور: نهج طريق نهج: بين واضح، وهو النهج، وطرق نهجه، وسبيل منهج: كنهج. ومنهج الطريق: وضحُهُ، والمنهاج كالمنهج وفي التنزيل {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48) وأنهج الطريق: وضح واستبان وصار نهجاً واضحاً بيناً،  والمنهاج: الطريق الواضح. واستنهج الطريق: صار نهجاً، ونهجت الطريق: أبنته وأوضحته، ويقال اعمل على ما نهجت هلك، ونهجتُ الطريق: سلكته. وفلان يستنهج سبيل فلان، أي يسلك مسلكه. والنهج: الطريق المستقيم (ابن منظور، د. ت: 4554، 4555).

     وفي مختار الصحاح/  المنهاج: الطريق الواضح ونهج الطريق أبانه وأوضحه ونهجه أيضاً سلكه (الرازي، 1329ه: 76).

المنهج اصطلاحاً: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} جاء في تفسير القرآن العظيم أن: المنهاج هو الطريق الواضح السهل (ابن كثير، 1407ه: 2/ 69).

     وفي المفردات في غريب القرآن : نهج: النهج الطريقُ الواضحُ ونهج الأمرُ وأنهجَ وضَحَ ومنهجُ الطريق ومنهاجه، ومنه قولهم: نهج الثوب وأنهج بان فيه أثرُ البِلَى وقد أنهجهُ البِلَى (الأصفهاني، د. ت: 509).

     يتضح مما سبق أن المنهج: هو الطريق الواضح والأسلوب المتبع والمنهجية هي الطريقة الواضحة بالأسلوب المتبع المحدد.

     والمنهج العلمي هو: الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة مقبولة ومعلومة (قنديلجي، 2007م: 30).

  وهو: مجموعة من الأسس والقواعد المنهجية التي يستعين بها الباحث في تنظيم النشاط الإنساني الذي يقوم به من أجل التقصي عن الحقائق العلمية أو الفحص الدقيق لها (علي، 2014م: 179).

     كما أنه: أسلوب يسير على نهجه الباحث لكي يحقق الهدف من بحثه كأن يجد إجابة مناسبة للسؤال الذي يطرحه، أو يستطيع التحقق من الفرض الذي يبدأ به بحثه وفي قول آخر يحدد المنهج بأنه عبارة عن مجموعة من الأسس والقواعد والخطوات التي يستعين بها البحث في تنظيم النشاط الإنساني الذي يقوم به من أجل التقصي عن الحقائق العلمية أو الفحص الدقيق لها (جلبي، 2012م: 18).

     وعليه يتضح أن المنهج العلمي هو: الطريقة والأسلوب الذي يستخدمه الباحث، لدراسة مشكلة بحثه، للكشف عن الحقائق التي تجيب عن تساؤلات البحث أو التحقق من صحة الفروض.

     والمنهج الاستعادي يعتبر من العلوم والمعارف الغربية، التي استفاد منها العرب، وحين تمت ترجمتها لغوياً، كان يقصد بها: "ما وراء ما حدث، أو ما وقع" وجاءت بمعنى رجعي أو استعادي أو ارتجاعي. وأهل العلوم التربوية والاجتماعية ترجموها بمعنى: "ماذا بعد الحقيقة".

     ومن جانب آخر يتفق المهتمين بالمنهج الاستعادي على أنه منهج إمبريقي[1] منظم يستخدم في البحوث والدراسات الارتباطية التي لا يستطيع الباحثون فيها التحكم مباشرة في المتغيرات المستقلة؛ نظراً لأن معظمها يندرج تحت فئة متغيرات السمة، وهذا يغني أن المتغيرات حدثت بالفعل ويصعب التعامل معها كما يحدث في المنهج التجريبي.

     وقد عرفه كارلنجر أنه: المنهج الذي يبحث في العلاقة المحتملة بين ما وقع من أحداث أو وقائع والعوامل التي أدت إليها في الماضي، أي أنه يدرس المتغير أو المتغيرات التابعة في علاقتها المحتملة بالمتغير أو المتغيرات المستقلة التي حدثت من قبل، وبذلك يكون من الصعوبة التحكم فيها.

     وعرفه آري وآخرون أنه: يشير إلى البحث عن السبب أو المتغير أو المتغيرات المستقلة التي حدثت بالفعل في الحياة الطبيعية، في علاقتها المحتملة بالمتغير أو المتغيرات التابعة التي نلاحظها الآن (الخشيبي، 1987م: 297).

     ويقول الباحثون إنه يصعب علينا ففهم الحاضر دون الرجوع إلى الماضي؛ فالحياة الحاضرة هي امتداد طبيعي للحياة الماضية.

      حيث عرف جرجس المنهج الاستعادي أنه: "المنهج الذي يستخدمه الباحثون الذين يتعلقون بتجارب الماضي، بقصد دراسة وتحليل بعض المشكلات التي ترجع بجذورها إلى التجربة الإنسانية في أطوار مختلفة".

     وأشار أن المنهج الاستعادي هو عملية منظمة من عمليات جمع البيانات وتقديمها بأسلوب موضوعي، وتتصل هذه البيانات عادة بأحداث الماضي، ويتم جمعها وتحليلها؛ من أجل اختبار صحة الفروض الخاصة بالظاهرة التي تناولتها الدراسة، أو أسباب تلك الأحداث وتأثيراتها واتجاهاتها، كما يساعد على وصف الماضي وتحديد واقعه، بالإضافة إلى تفسير الأحداث الحالية، وعمل توقعات عن الأحداث المستقبلية.

     كما أن المنهج الاستعادي هو منهج استرجاعي؛ لأنه يحاول أن يسترد أو يسترجع ما جرت عليه أحداث التاريخ في مجرى الزمان، أي أن المنهج التاريخي هو نوع من البحث والاستقصاء لأحداث الماضي ويحاول استرداد أو استرجاع ما حدث في الماضي. (جرجس، 2015م: 11، 12).

     ويؤكد ذلك العساف بأن المنهج الاستعادي هو ما يمكن به إجابة سؤال عن الماضي بواسطة مجهود علمي كبير يبذله الباحث متمثلاً في محاولته لاستنتاج العلاقة بين الأحداث، والربط بينها، مستنداً في ذلك إلى ما يستقيه من أدلة علمية صحيحة تبرهن استنتاجه (العساف، 2010م: 259).

     والتاريخ سجل لأحداث الماضي، والبحوث التربوية التاريخية تعني بالبحث في المؤسسات والأنظمة التربوية وتطورها عبر السنين، وبدراسة تطور الأفكار والمفاهيم والنظريات التربوية والنفسية.

خصائص المنهج الاستعادي:

1-             يهدف إلى معرفة ما حدث في الماضي، والعوامل التي أثرت في تلك الأحداث.

2-             يطالب الباحث بالتثبت من المصادر التي يرجع إليها.

3-             يطالب الباحث بالرجوع إلى المصادر الأولية والمصادر الثانوية (عبدالله، 2006م: 56).

     كما أن المنهج الاستعادي يهتم بالأحداث الفائتة وتقويمها وتمحيص شواهدها ونقدها بشكل دقيق ينتج عنه ذكر الحدث وأسبابه ونتائجه وذلك بهدف معرفة الماضي لاستشراف المستقبل، والكتابة التاريخية تختلف كثيراً عن السرد التاريخي للأحداث والتي تذكر تواريخ وقوعها دون التعرض لأسباب حدوثها.

من الأسباب التي تدفع الباحثين إلى استخدام المنهج الاستعادي:

1-             لتعريف الناس بما حصل في الماضي ليتعلموا منه ويتجاوزوه.

2-             للتعريف كيف كانت تتم الأمور في السابق وكيف يمكن تطبيقها والاستفادة منها في الحاضر وعدم البدء من نقطة الصفر.

3-             للمساعدة في التوقع للمستقبل خاصة في ظل تجارب سابقة حتى لو كانت في ظروف مختلفة، فالنتائج والأحداث السابقة توفر أفكار مهمة لما يمكن أن تخرج به الأحداث الحالية.

4-             لفهم الحاضر وواقعه في بيئة الدراسة بشكل كامل بعد ربطه بالماضي.

     ولهذا كله يقال دائماً أن المنهج التاريخي يدرس الماضي لفهم الحاضر والتخطيط للمستقبل حيث أن تجارب الماضي وظروفها والبيئة المحيطة تساعد على فهم أحداث اليوم والتخطيط للمستقبل والتخطيط لأحداث الغد (النهاري، وآخرون، 2009م: 237-240).

     وهذا ما أكده أبو سليمان فالبحث الاستردادي يوضح حقائق العلاقات بين الأشخاص والأحداث والزمان والمكان، وقراءة التاريخ لفهم الماضي وتفهم الحاضر في ضوء الماضي لتطويره (أبو سليمان، 1995م: 34، 35).

الإطار النظري للمنهج الاستعادي:

     أورد العساف الإطار النظري للمنهج الاستعادي، في أربع خطوات:

1-             جمع المصادر الأساسية الموجودة سواء أكانت مكتوبة أو مصورة أو مسجلة...

2-             استبعاد جميع المصادر، أو بعض معلوماتها الغير صحيحة.

3-             الاقتصار على المعقول من المصادر الأساسية.

4-             تنظيم وإخراج الأدلة الثابتة في عرض علمي مناسب (العساف،2010م:261)

خطوات البحث الاستعادي:

1/ اختيار مشكلة البحث.

     توضيح ماهية مشكلة البحث تبعاً للخطوات العلمية: التمهيد للمشكلة، تعريف المشكلة وتحديد أسئلة البحث، فروض البحث، أهمية البحث، حدود البحث...

2/ وضع الفروض أو التساؤلات.

     لا بد من وضع فروض دقيقة أو تساؤلات تعمل على توجيه الباحث إلى المصادر المطلوبة؛ لتتبع البيانات التي لها علاقة مباشرة بإثبات الفرضية أو الإجابة على التساؤلات.

3/ تجميع مصادر المعلومات والوثائق.

     هي أساس البحث الاستعادي، وتسمى الدليل أو الشاهد التاريخي، وتنقسم إلى مصادر أولية، ومصادر ثانوية.

     المصادر الأولية: وتسمى الأساسية، وهي ذات الصلة المباشرة بالحدث التاريخي كالأشخاص وشهود العيان والآثار.

     المصادر الثانوية: هي مصادر ثانية للمعلومات، ولم تعش الحدث التاريخي مباشرة وإنما تم نقلها عبر كتب تاريخية ومقالات وموسوعات.

4/ تقويم المصادر ونقدها.

     على الباحث أن يُخضع ما جمعه من مصادر أولية أو ثانوية إلى التقويم والنقد، من خلال النقد الداخلي، والنقد الخارجي.

     النقد الخارجي: الفحص والتمحيص في المصدر الذي يذكر الحدث، هل هو موثوق به ويعتمد المظهر والشكل الخارجي، كنوعية الورق والأحبار والرسوم والخرائط وغيرها.

     النقد الداخلي: هو نقد ما ورد في الوثيقة التاريخية أو المصدر، وتقرير ما إذا كانت المعلومات الواردة تدل فعلاً عل الحدث.

     ويعتبر الهدف من النقد بشقيه الخارجي والداخلي؛ هو تنقية المصدر من أي شوائب باعتباره المصدر الذي يعتمد عليه في التحليل والدراسة ومقارنة الأحداث والوقائع.

5/ كتابة تقرير البحث.

     تعتبر الخطوة الأخيرة، وعلى الباحث أن يصوغ تحليله معتمداً على خلفية تاريخية جيدة اكتسبها من خلال نقده وتقويمه للمصادر، معتمداً على خيال علمي قوي يمكنه من استعادة الأحداث وربطها وتحليلها، ثم إصدار النتائج ليتمكن من الإجابة على التساؤلات أو إثبات الفرضيات الخاصة بالدراسة (النهاري، وآخرون، 2009م: 240-247)

 

عيوب المنهج الاستعادي:

     بالرغم من مميزات المنهج الاستعادي، إلا أن هناك بعض العيوب، باعتبار أن تحليل الباحث لمصادر مدونة من قبل أناس سبقوه، يجعل المعلومة التاريخية عرضة للتفسير الذاتي من أطراف: 1/ المدون الأول: ليس هناك من سبيل للجزم بعدم التحيز فيما دونه من معلومات.

2/ المدون الثاني: عندما يكون المصدر غير أساسي وإنما ثانوي.

3/ الباحث الذي قد يتحيز ولو بصورة غير مباشرة وكأن يكون انتقاءه للمصادر مقصوراً على المصادر التي تؤكد ما يراه ويعتقده.

     بالإضافة إلى التحليل الكيفي للمعلومات الذي يعتمد على استنتاج البراهين والأدلة التاريخية من المصادر فليس هناك مقياس علمي دقيق لتقرير صدق ذلك الدليل أو عدم صدقه (العساف، 2010م: 271).    

      وبالمثال يتضح المقال: عند ازدياد حوادث السير في منطقة محددة، فيعتبر المتغير التابع هو كثرة الحوادث، والبحث عن أسباب الحوادث فهي تعتبر المتغيرات المستقلة.

     وعند دراسة الحالة، لا يمكننا أن ندرس الحوادث التي وقعت سابقاً، فلا يمكن من إعادتها أو استخدام المنهج التجريبي.

     فكل ما يمكن عمله هو دراسة الإحصاءات وفحص مناطق الحوادث والطريق والعيوب الهندسية للتصميم، والحصول على معلومات من الضحايا وشهود العيان والعودة إلى كاميرات المراقبة وغيرها من الأسباب الممكنة، وبناء على فحص كل المتغيرات المستقلة المتاحة يمكن أن نتحقق من اختبار صدق الفروض المرتبطة بأسباب الحوادث.

أسباب الاعتماد على المنهج الاستعادي:

1/ صعوبة استخدام المنهج التجريبي في دراسة الظواهر والمشكلات التي حدثت من قبل.

2/ إن دراسة بعض هذه الظواهر والمشكلات ترتبط بالقيم الدينية والخلقية، مثل التسرب المدرسي، والتأخر الدراسي، وغيرها.

3/ يستخدم في الدراسات التي يكون فيها الضبط المعملي غير علمي، وارتفاع التكلفة، أو يصعب التحكم في المتغيرات المستقلة لها، أو استخدام العشوائية.

ميادين استخدام المنهج الاستعادي:

1-             سمات شخصية المعلم وخصائصه.

2-             الاتجاهات السياسية والاجتماعية والدينية.

3-             الاستعدادات والاتجاهات الوالدية.

4-      الدراسات التي تعتمد على: الجنس، الذكاء، الطبقة الاجتماعية، الإقامة، جماعات الأقلية كمتغيرات مستقلة علاقتها بالتحصيل الدراسي أو غيره كمتغيرات تابعة.

5-             دراسة المناخ المدرسي، والتنشئة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص التعليمية، والحراك الاجتماعي.

6-             المشكلات الاجتماعية والنفسية في مجال التربية مثل: الانحراف، العدوانية، الانعزالية، التسرب، التأخر الدراسي، الرسوب، التفكك الأسري، الأمراض النفسية والاجتماعية والجسمية.

7-        الدراسات المهتمة بأسباب ونتائج الكوارث الطبيعية كالعواصف والسيول، وغير الطبيعية كحوادث السيارات والحروب.

من اشهر الباحثين الذين استخدموا المنهج الاستعادي:

-       جان بياجيه: في دراسة التفكير عند الأطفال.

-       جروس: مجالس التعليم والإدارة.

-       أدورنو: التسلطية.

-       العديد من الدراسات التي تناولت تكافؤ الفرص التعليمية في المجتمعات المختلفة.

أوجه التشابه والاختلاف بين المنهج الاستعادي والمنهج التجريبي:

أولاً: أوجه التشابه.

1-             يهتم كلا المنهجين بالبحث في العلاقة بين المتغيرات المستقلة من ناحية، والمتغيرات التابعة من ناحية أخرى.

2-             كليهما يمكنه اختبار صحة الفروض، أو الإجابة على الأسئلة البحثية القائمة على العلاقات بين متغيرين، أحدهما مستقبل والآخر تابع.

3-             كليهما في كثير من الأحيان يهدف إلى المقارنة بين مجموعتين من المفحوصين في جميع السمات تقريباً، ما عدا سمة واحدة للتعرف على أسباب أو نتائج هذه السمة.

4-             أنهما يشتركان في إمداد الباحثين بالمعلومات التي يريدون الحصول عليها.

ثانياً: أوجه الاختلاف.

1-             الضبط: فالباحث في المنهج التجريبي يستطيع ضبط المتغير المستقل النشيط، ومعالجة المتغير التجريبي يدوياً، أما في المنهج الاستعادي فلا يستطيع الباحث ضبط متغيراته المستقلة بطريقة مباشرة نظراً لحدوثها من قبل والتداخل الشديد بينها وأن معظمها من متغيرات السمة المستقلة.

2-             العشوائية: في المنهج التجريبي يستطيع الباحث تحديد استخدام المتغير المستقل عشوائياً، أما في المنهج الاستعادي فلا يستطيع استخدام مبدأ العشوائية.

3-             في المنهج التجريبي يستطيع الباحث ضبط أو عزل المتغيرات بطرق مختلفة وذلك لاستبعاد تأثيرها على المتغير التابع، أما الباحث في المنهج الاستعادي فيصعب عليه في كثير من الأحيان استبعاد هذه المتغيرات (نتائج المنهج التجريبي أكثر دقة وأقرب إلى الإقناع).

4-             محور الاهتمام: يهتم المنهج التجريبي بالبحث في المستقبل (الباحث يحدد المتغير أو المتغيرات المستقلة ثم يدرس تأثيرها على المتغير التابع فيما بعد)، أم في المنهج الاستعادي فإنه يهتم بالبحث في الماضي (يحدد المتغيرات التابعة الحالية ثم يرجع إلى الماضي للبحث عن المتغيرات المستقلة المرتبطة بها).

5-             طبيعة البحث: يحتاج المنهج التجريبي إلى شروط تجريبية، أما المنهج الاستعادي يدرس مشكلاته في الظروف الطبيعية؛ مما يجعل نتائجه أكثر واقعية.

6-             مجموعات البحث: يعتمد المنهج التجريبي في بعض تصميماته التجريبية على مجموعتين إحداهما تجريبية والأخرى ضابطة فإن المنهج الاستعادي يعتمد في بعض تصميماته على مجموعة تجريبية وأخرى محك، ويوجد فرق بين المجموعة الضابطة ومجموعة المحك.

مميزات المنهج الاستعادي:

1-             يستخدم في المواقف الإنسانية التي لا يستطيع فيها الباحث التحكم مباشرة في المتغيرات المستقلة، مثل دراسة العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة والتي لا يستخدم فيها المنهج التجريبي.

2-             يعتبر أداة استكشافية ذات قيمة؛ لأنه يمدنا بمعلومات مفيدة مرتبطة بطبيعة الظاهرة.

3-             إن التطورات الحديثة في الأساليب الإحصائية من الممكن أن تساعد تصميمات هذا المنهج في التخلص من بعض عيوبها.

4-             أن نتائج الدراسات التي تستخدم المنهج الاستعادي تساعد في توجيه الفروض في الدراسات التجريبية في نفس المجال فيما بعد، أي أنه يستخدم كأداة لاستكشاف علاقات السبب والنتيجة.

هناك احتمالات غير منطقية في نتائج المنهج الاستعادي:

     المنهج التجريبي يعتمد على المتغير المستقل النشيط، والباحث يستطيع التعامل معه ويلاحظ تأثيره على المتغير التابع.

    بينما المنهج الاستعادي يعتمد على المتغير المستقل المرتبط بالسمة، وهناك صعوبة يجدها الباحث في التعامل مع متغيرات السمة المستقلة، ومن الممكن أن تؤدي إلى نتائج غير مناسبة؛ لأن العلاقة بين متغير السمة المستقل والمتغير التابع ربما ترجع لأسباب أخرى وهي (السبب العام – المتغيرات المستقلة الأخرى – السببية العكسية)

أ/ السبب العام:

     على الباحث الذي يستخدم المنهج الاستعادي أن يضع في اعتباره احتمالية وجود سبب عام للعلاقات التي يلاحظها بين متغيرين أخدهما مستقل والآخر تابع، مثل أن تستنتج بعض الدراسات أن تعاطي المخدرات بين فئة مهنية معينة يزداد مع ارتفاع الدخل الشهري مع احتمالية وجود سبب عام وهو التضخم الاقتصادي وغلاء الأسعار.

ب/ المتغيرات المستقلة الأخرى:

     من المحتمل أن يوجد أكثر من متغير مستقل، ويمكن أن يكون له تأثير على المتغير التابع، ويجب على الباحث أن يأخذ ذلك في الاعتبار، فمشكلة التسرب مثلاً كمتغير تابع قد ترتبط بأكثر من سبب متغير مستقل، بعضها قد يرتبط بالأسرة أو المدرسة أو المجتمع، وعلاجها أن يقوم الباحث بتسجيل جميع المتغيرات المستقلة التي يمكن أن يكون لها تأثير على المتغير التابع، ثم يثبتها، ثم يختبر تأثيرها.

ج/ السببية العكسية:

     عندما يحاول الباحث تفسير العلاقة الملاحظة بين متغيرين في بعض الدراسات التي تستخدم المنهج الاستعادي يجب أن يضع في اعتباره احتمالية عكس الفرض الذي اقترحه، مثل أن يستنتج أن عدوانية الأطفال تزداد مع زيادة عقاب الوالدين لهم، فمن المحتمل أن تكون العلاقة عكسية بمعنى أنه يزداد عقاب الوالدين مع زيادة عدوانية الأطفال.

خطوات المنهج الاستعادي:

1-             التعرف على المشكلة وتحديدها.

2-             فرض الفروض التي سيتم اختبارها أو الأسئلة التي سيتم الإجابة عنها.

3-             وضع وتحديد الافتراضات التي تعتمد عليها الفروض والإجراءات التالية.

4-             جمع الدراسات السابقة المرتبطة بمشكلة الدراسة والتي تساعد الباحث في التحقق من المشكلات والنتائج التي استنتجتها هذه الدراسات.

5-             التخطيط للبحث الميداني والذي يتكون من: (تحديد المجتمع وعينة الدراسة، اختيار وتصميم أدوات جمع البيانات، تثبيت الفئات لتصنيف البيانات).

6-             وصف وتحليل وتفسير النتائج.

تصميمات المنهج الاستعادي:

أ/ نموذج الدراسة الارتباطية:

     يستخدم في البحث عن أسباب الحالة الراهنة، ويتضمن نوعين من البيانات عن مجموعة واحدة، يرتبط النوع الأول بحاضر هذه المجموعة والنوع الثاني بماضيها، وعلى الباحث أن يحدد نوع ومدى العلاقة بينهما.

ب/ نموذج جماعة المحك أو العلية المقارنة:

     يمكن للباحث أن يعتمد على هذا النموذج إذا أراد البحث عن الأسباب التي أدت إلى حدوث ظاهرة أو مشكلة معينة، وذلك باستخدام مجموعتين من المفحوصين إحداهما لديها المتغير التابع ويطلق عليها المجموعة التجريبية، والأخرى ليس لديها هذا المتغير التابع ويطلق عليها مجموعة المحك، ثم يقارن بين المجموعتين في المتغيرات المستقلة؛ لكي يصل إلى أسباب اختلافهما، ومن ثم يصل إلى أسباب المتغير التابع في المجموعة التجريبية.

أساليب التحكم الجزئي في المتغير المستقل:

     يتصف المنهج الاستعادي بالحاجة إلى الضبط المباشر للمتغيرات المستقلة ومعالجة المتغير التجريبي يدوياً نظراً لحدوثه في الماضي، مما يكون له تأثيره المباشر على الدراسات التي تستخدم هذا المنهج بالمقارنة بالمنهج التجريبي. وهناك أساليب تُزيد من الثقة في النتائج.

1/ المناظرة:

     يستخدم في الدراسات العلية المقارنة، ويقصد به أن لكل مفحوص في المجموعة التجريبية مفحوصاً مشابهاً له إلى درجة كبيرة في مجموعة المحك ويختلف عنه في المتغير التابع فقط.

2/ أسلوب تحليل التباين:

     يستخدم هذا الأسلوب الإحصائي في إزاحة بعض المتغيرات غير التجريبية والتي يكون لها تأثير على المتغير التابع ويصعب استبعادها، فيمكن للباحث أن يدخل هذا المتغير المستقل غير التجريبي في تصميم الدراسة ثم يتم إزاحته إحصائياً باستخدام أسلوب تحليل التباين.

3/ المجموعات المتجانسة: 

     يستخدم هذا الأسلوب عندما يحاول الباحث التحكم في متغير مستقل خارج عن التصميم فيمكنه أن يختار جميع مفحوصيه من مستوى واحد في هذا المتغير. ومثاله لو كان المستوى الاقتصادي متغير مستقل خارج عن التصميم وله تأثير على المتغير التابع ويصعب على الباحث استبعاده فيمكنه اختيار مفحوصيه من مستوى اقتصادي واحد.

4/ صياغة واختبار فروض بديلة:

     يمكن أن تكون تفسيرات مقبولة للنتائج الإمبريقية للدراسة، ومن ثم يجب على الباحث أن يأخذ حذره من قبول أول تفسير للعلاقات بين المتغيرات في الدراسة التب تستخدم هذا المنهج كحل أول أو أخير لمشكلة دراسته؛ لأنه قد تظهر نتائج أخرى تختلف مع نتائج دراسته.

بعض الدراسات استخدمت المنهج الاستعادي:

لم يقف الباحث على حد علمه وبحثه عبر الشبكة العنكبوتية عن دراسات استخدمت المنهج الاستعادي كمسمى، ولكن وجدت بمسمى المنهج التاريخي، ومنها:

النمو الحضاري في فلسفة التاريخ. العلوم الرياضية وأثرها في تطوير الحضارة العربية الإسلامية.  الإبداع الحضاري للمسلمين في الأندلس في عهدي الإمارة والخلافة.

المنهج الإنثوجرافي:

     خلال القرن العشرين سادت ميادين البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية مناهج بحثية تعتمد البيانات الكمية الميدانية والتحليل الإحصائي لهذه البيانات، ومع  بداية الربع الأخير من القرن العشرين أخذ عدد من العلماء يوجهون إلى البحوث الكمية الإحصائية نقداً شديداً، وبالمقابل كثر الحديث عن المناهج النوعية (الكيفية) بوصفها بديلاً أكثر ملاءمة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، وبدأت هذه المناهج تجد قبولاً في الدوائر الأكاديمية بصورة عامة.

وليتضح الفرق بين المناهج الكمية، والمناهج النوعية (الكيفية) سيتم التعريج عليهما.

     المناهج الكمية: هي مناهج يعتمد عليها لدراسة حقائق اجتماعية موضوعية منفردة ومعزولة عن مشاعر ومعتقدات الأفراد، وتعتمد على الأساليب الإحصائية في الغالب عند جمع وتحليل البيانات.

     المناهج النوعية (الكيفية): هي المناهج التي يعتمد عليها عند دراسة حقائق وظواهر اجتماعية يتم بناءها من خلال وجهات نظر الأفراد والجماعات المشاركة في البحث، ويتوجه الباحث عند اعتماده على هذا النوع من المناهج إلى اختيار العينة المقصودة في جمع البيانات لتحقيق أهداف البحث وعلى الملاحظة بالمشاركة والمقابلات المعمقة والوثائق والسجلات الأولية المرتبطة بالموضوع (قزادري، وآخرون، 2019م: 418).

     ويأتي في مقدمة البحوث النوعية التي حظيت بالاهتمام والنقاش، البحث الإنثوجرافي، حيث بدأ التوسع الكبير في استخدامه من الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي في المجالين الاجتماعي والتربوي.

     وأتاحت هذه المناهج البحثية النوعية ارتياد آفاق جديدة في البحث الاجتماعي، ودراسة كثير من القضايا التربوية التي لم تدرس من خلال ارتباطاتها الثقافية والأيدولوجية.

      كما أسهمت هذه البحوث في طرق موضوعات جديدة وتقديمها من خلال ارتباطها بالثقافة والأيديولوجيا؛ وذلك من خلال منهجيتها النوعية الشاملة، حيث لا ينظر إلى الثقافة على أنها مجرد انعكاسات لقوى بنائية بل كنظام للمعاني والأفكار واللغة والطبقة الاجتماعية (السلطان، 1430ه: 3، 4).

     كان الهدف الرئيس للبحوث الإنثوجرافية دراسة المجتمعات البدائية، ومع تطور الإنثوجرافيا في العقود الأخيرة من القرن العشرين، اتخذت مسارات علمية متعددة، واستخدمت في كثير من فروع العلم بأساليب بحثية منوعة، فلم تعد تقتصر على دراسة الثقافة البدائية، ولكن تخطت ذلك إلى دراسة الثقافات في البيئات الصناعية والمتطورة، كما أصبحت تستخدم من قبل علماء الاجتماع والتربية، وفي الدراسات النسوية، فظهر ما يسمى الإنثوجرافيا الناقدة (السلطان، 1430ه: 10).

     وعلى الرغم من البداية المتأخرة للمنهج الإنثوجرافي في التربية، رافقت تلك البداية محاولات أوائل الرواد الذين استخدموا المنهج الإنثوجرافي للربط بين الثقافة والنظام التربوي-مثل: سبندلر، سميث، وجيوفري- مع التركيز على قضايا التنشئة الاجتماعية، والتطور الثقافي، ونقل الثقافة بين الأجيال، ودراسة المدرسة بوصفها مؤسسة ناقلة للثقافة.

     إلا أن استخدام المنهج الإنثوجرافي الميدان التربوي والدراسات الاجتماعية تطور سريعاً في كثير من الجامعات الغربية، خصوصاً في بريطانيا والولايات المتحدة منذ عام ١٩٦٨م (السلطان، 1430ه: 3، 4).

     أيضا شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين تحولاً كبيراً في إيمان كل من أعضاء هيئة التدريس وطلاب الدراسات العليا، بأن المنهج الإنثوجرافي أكثر ملاءمة لدراسة الظواهر الاجتماعية والتربوية داخل المدرسة والأسرة والمحيط التربوي (السلطان، 1430ه: 4).

     إلا أن المنهج الإنثوجرافي في الدول العربية ما زال يعاني من عدم إثبات هويته بوصفه منهجاً بحثياً من مناهج البحث وبأحقيته بالتطبيق؛ وذلك يعود إلى ضعف الاهتمام به بوصفه أحد المناهج البحثية سواء من ناحية عرضه نظرياً أو تطبيقه ميدانياً (قزادري، وآخرون، 2019م:  417).

مفهوم منهج الإنثوجرافي

     هناك صعوبة في تحديد مفهوم المنهج الإنثوجرافي على نحو قطعي الدلالة؛ نظراً إلى الطبيعة التي ترتبط بتصميمه وأساليب تنفيذه، ولذلك فإنه لا يوجد تعريف موحد متفق عليه بين الباحثين للمنهج الإنثوجرافي.

     إلا أن هناك شبه إجماع إلى إرجاع بداية المنهج الإنثوجرافي وتطوره وتطبيقاته العلمية إلى علم الإنثروبلوجيا، إذ تم استخدامه من قبل الباحثين الإنثروبلوجيين، بوصفه طريقة للتعرف على الثقافات الأخرى، وعلى وجه الخصوص الثقافات البدائية، وبالتالي استمدت الإنثروجرافيا قواعد تنظيمها وأسسها من علم الإنثروبلوجيا (السلطان، 1430ه: 10).

      الإنثوجرافيا انبثقت هذه الطريقة من علم الأنثروبولوجيا الذي يركز في التعرف على ثقافات الشعوب والشعوب الأخرى، وترجمة مصطلح (Ethnography) المكون من مقطعين: الأول (Ethno) بمعنى جنس أو عرق أو شعب، والآخر (Graphy) وتعني وصف، وبذلك تعرف الإنثوجرافيا بأنها "وصف لثقافات الشعوب"، والتي تقوم على فهم أساليب المجتمع وطرقه في الحياة اليومية، وعلى الملاحظة المباشرة التي نعرفها على أنها الأداة المهمة في المنهج الوصفي التحليلي (بكر، 2013م: 7).

     وأبسط مفهوم للبحث الإنثوجرافي أنه بحث تفاعلي يقيم أثنائه الباحث في موقع معين لدراسته وملاحظة ما يجري فيه، ومقابلة من يعملون فيه، هذه الإقامة في موقع البحث تمكن الباحث من ملاحظة الأحداث كما تحدث في الواقع، وهناك من يدعو مصطلح الإنثوجرافي بأنه انثروبولوجيا التربية، البحوث الإنثوجرافية هي دراسات مسحية أو استكشافية لدراسة وجهات نظر الناس نحو ما يجري من أحداث (عبيدات، وآخرون، 2013: 272).  

     كما تعني وصف أو تصوير حي للناس، وعلى نحو عام هي استراتيجية خاصة للبحث الإنثروبولوجي ومنتجة لمعرفته وتوجهاته الأكاديمية بنفس الوقت يستعملها الإنثروبولجست لتصوير مجال لدراسته سواء كان شعباً أو قبيلة أو جماعة اثنية (العباسي، 2013م: 366).

     وأشار باتون أن البحث الإنثوجرافي يُعنى بالثقافة بشكل خاص، فسؤاله الدائم هو: ما ثقافة هؤلاء الناس؟ وهل يفترض أن أي مجموعة من الناس تعيش مع بعضها لفترة زمنية معينة ستكون ثقافة معينة خاصة بها؟ وما انعكاسات هذه الثقافة على تشكيل سلوكهم وممارساتهم الحياتية، ونظرتهم إلى الواقع الاجتماعي والثقافي الذي يعيشون فيه؟ (السلطان، 1430ه: 11).

     وذهب زيتون إلى أن البحث الإنثوجرافي هو منهج لوصف الواقع، واستنتاج الدلائل والبراهين من المشاهدة الفعلية للظاهرة المدروسة، ويتطلب هذا المنهج من الباحث معايشة فعلية للميدان أو الحقل موضع الدراسة (زيتون، 2006م: 306)

     بينما يرى أوجبو أن البحث الإنثوجرافي طريقة لفهم أساليب فئة ما وطرقها في الحياة اليومية، من خلال معرفة أفكار أعضائه ومعتقداتهم وقيمهم وسلوكياتهم، وما يصنعونه من أشياء يتعاملون معها، ويتم ذلك عن طريق الملاحظة بالمشاركة في الوضع الطبيعي الحياتي من جانب الباحث. (الأستاذ، 2013م: 87).

    وعرف مجموعة من علماء الإنثروبلوجيا الأمريكيون، ومنهم اتكسون، وسميث، وديلامونت، أن المنهج الإنثوجرافي هو الطريقة التي يتم من خلالها وصف ثقافة مجتمع ما، وهو المنهج الذي يستخدمه الباحث لملاحظة السلوك في بيئته ووضعه الطبيعي، ويتوصل من خلال هذه الملاحظات إلى معنى هذا السلوك.

     فيُعرّف البحث الإنثوجرافي بأنه: "الدراسة التي يمكن بها أو إجراؤها في السياق أو الموقف الطبيعي، حيث يقوم الباحث بجمع البيانات، أو الكلمات، أو الصور، ثم يحللها بطريقة استقرائية، مع التركيز على المعاني التي يذكرها المشاركون"(السلطان، 1430ه: 12).

خصائص المنهج الإنثوجرافي:

هناك عدة خصائص للمنهج الإنثوجرافي، من أبرزها:

     1/ يتصف المنهج الإنثوجرافي بالمرونة فهو يتيح للباحث إطاراً منهجياً عاماً بإمكانه الابتكار والإضافة له من خلال رؤيته الإبداعية وقدرته على جمع أكبر قدر من البيانات والمعلومات، حيث لا توجد في هذا المنهج آلية موحدة لجمع المعلومات وتحليلها.

     2/ في إطار المرونة التي يتيحها المنهج الإنثوجرافي للباحث إمكانية تغيير خطة الدراسة وتصميمها وحتى تساؤلات البحث وفقاً لما يراه خلال عمله الميداني فأثناء معايشة الباحث للمجتمع المدروس يمكن أن يكون لديه تساؤلات بحثية جديدة مختلفة يعتبرها أكثر أهمية من التي كانت لديه عند دخوله حقل الدراسة.

     3/ يعتمد الباحث في المنهج الإنثوجرافي على معايشة مجتمع الدراسة ويدخل حقل الدراسة بعقلية علمية ومعرفية مفتوحة ويتولى نقل ووصف ما يشاهده وما يسمعه من خلال تسجيلاته للملاحظات والآراء والأفكار والرؤى والمقترحات من داخل حقل الدراسة.

     4/ يعتمد الباحث في المنهج الإنثوجرافي على دراسة السلوك في الوضع الطبيعي أو كما يحدث في الواقع كأن يدرس سلوك الجمهور في موقع من مواقع التواصل الاجتماعي قصد معرفة السلوك في سيلقاته الفعلية الطبيعية غير المفتعلة بمعنى دون تحكم أو ضبط ويعتمد الباحث في ذلك على تكرار الملاحظة وعلى الملاحظة بالمشاركة.

     5/ لا يركز الباحث في المنهج الإنثوجرافي أساساً على معيار الموضوعية عكس ما هو معمول به في المناهج الكمية، فالباحث في هذا المنهج وأثناء تحليله يمكنه تقديم رؤيته المعرفية لكن مع الفصل بين رؤيته الشخصية ورؤى المبحوثين وتصوراتهم لأن هدفه الأساسي هو وصف الواقع وتفسير طبيعة التفاعل الاجتماعي والثقافي للمجموعة التي يقوم بدراستها.

     6/ تحقيق أهداف المنهج الإنثوجرافي يستلزم قدرة الباحث على علاقات اجتماعية متميزة مع الباحثين تمكنه من كسب ثقتهم وتعاونهم وذلك من خلال معايشتهم ومشاركتهم الفعل والسلوك الاتصالي والاندماج معهم في حياتهم.

     7/ عكس المنهج الإنثوجرافي يعتبر التعميم غاية المناهج الكمية يعد الوصف والتفسير في الإطار الثقافي والمكاني والاجتماعي للظاهرة المدروسة هدف وغاية الباحث الإنثوجرافي مع عدم إمكانية تعميم النتائج في حالات مشابهة.

     8/ يحتاج الباحث الإنثوجرافي إلى درجة عالية من الإحساس بالواقع والتفاعلات الحاصلة داخل حقل الدراسة وهو ما يمكنه من جمع المعلومات من مصادرها الطبيعية وربطها بسياقاتها الثقافية والاجتماعية وتحويلها إلى معان ودلالات ذات صلة بموضوع الدارسة.

     9/ يعد الباحث في المنهج الإنثوجرافي بمثابة الأداة الأساسية في جمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها وتقديم النتائج.

     10/ نجاح الباحث في المنهج الإنثوجرافي يستلزم منه الإقامة لمدة طويلة مع مجتمع الدراسة أو حقل الدراسة، لأن هذا النوع من البحوث يتطلب جمع الكثير من المعلومات والبيانات.

     11/ يتطلب المنهج الإنثوجرافي اختيار دراسة حالة واحدة سواء كانت مجموعة أو جماعة أو أسرة أو مجتمع صغير.

     12/ لا يستلزم المنهج الإنثوجرافي من الباحث أن ينطلق في بحثه ويذهب إلى الحقل معتمداً على نظريات وفرضيات علمية مسبقة وإنما المطلوب منه الخروج بنظرية من خلال البيانات والمعلومات التي يقوم بجمعها في حقل الدراسة والتي تعبر عن أفكار المبحوثين ورؤيتهم للظاهرة المدروسة.

     13/ يرتكز تفسير ووصف الباحث للظاهرة في المنهج الإنثوجرافي على الكلمة والمعنى كما يمكنه الاستعانة في تقديم بياناته على الصور والأشكال مما يساهم في تخليص النتائج وتسهيل وصول المعلومات للقارئ.

     14/ ينظر الباحث في المنهج الإنثوجرافي إلى السلوكيات والممارسات نظرة كلية شمولية ضمن إطار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنظيمية، معتمداً في ذلك على الملاحظة بالمشاركة والمقابلة المتعمقة وتحليل الوثائق والمجلدات ودراسة الآثار المادية والسير الذاتية.

     15/ يستلزم على الباحث في المنهج الإنثوجرافي إجراء البحث في الثقافات والمجتمعات التي لا ينتمي إليها لأن إجراء البحث في المجتمع الذي ينتمي إليه أمر صعب لأنه في هذه الحالة يحتمل أن لا يرى الباحث الأبنية الاجتماعية الأساسية التي ترتكز عليها الثقافة أو المجتمع المدروس بسبب تعود الباحث عليها ومنه وجب على الباحث أن يستخدم المنهج الإنثوجرافي بحذر منهجي خاصة في مثل هذه الحالة.

     16/ الهدف المعرفي الأساسي للباحث في المنهج الإنثوجرافي هو التخلي عن الاتجاه الذي يسلم بأن التقاليد والأعراف الاجتماعية وأنماط السلوك اليومي المعتاد أمور طبيعية وواضحة، وهو ما يمنع الباحث من رؤية التقاليد والأعراف الاجتماعية وأنماط السلوك الاجتماعي باعتبارها أنشطة تم تنظيمها وهيكلتها بشكل مستمر من الناحية الاجتماعية والمترتبة على مواقف معينة.

     17/ على الباحث في المنهج الإنثوجرافي المحافظة على اتجاه الشخص الغريب أطول مدة ممكنة حتى يظل مستمراً على حالة الاندهاش، ورؤية المشاهد الاجتماعية المعتادة بالنسبة له في الأصل على أنها مشاهد غريبة وجديدة ( قزادري، وآخرون، 2019م: 421 – 423).

مميزات المنهج الإنثوجرافي:

     هناك العديد من المميزات للمنهج الإنثوجرافي، ومن أبرزها:

1-             يهدف إلى فهم السلوك الإنساني دون تحكم مقصود أو غير مقصود.

2-             يتم في مواقف طبيعية بدراسة السلوك في سياقه الطبيعي.

3-             يقوم على دراسة حالة واحدة لمجتمع صغير أو جماعة معينة.

4-             يعتمد على الملاحظة المباشرة للباحث.

5-             يختبر ما يحدث فعلياً دون الاعتماد على آراء مسبقة.

6-             يعتمد على جمع مكثف للبيانات يمتد لفترة زمنية قد تطول (السلطان، 1430ه: 14).

7-             يمكن إجراء البحث الإنثوجرافي بالكامل بواسطة فرد واحد، وفي أي مكان تقريباً.

8-             ذا طبيعة طولية، يتيح للباحث مراقبة وتسجيل التغييرات مع مرور الوقت.

9-             يركز على العمل مع الآخرين وأهميتهم بدلاً من معاملتهم كأشياء.

10-        لا يتطلب أي أدوات أو معدات باهظة الثمن أو معقدة.

11-        يعتمد على مهارات الباحث الشخصية ومعرفة نقاط القوة للاستفادة منها.

12-        يوفر فرصة لدمج الحياة المهنية والشخصية.

13-        يسمح برؤية الواقع من الداخل، فيوفر بيانات ثاقبة وعميقة ومفصلة للتحليل والكتابة.

14-        يمكن استخدامه لدراسة المجموعات المهمشة في المجتمعات المختلفة.

15-        تجمع البيانات في بيئة واقعية أو طبيعية يعمل فيها الأشخاص بشكل طبيعي (الأسمري، 1441ه : 3).

16-        ويسهم البحث الإنثوجرافي في معرفة ثقافة المدرسة وثقافة الفصل، والكشف عن المفاهيم والمقولات التي تدور في عقول المديرين والمعلمين والطلاب (نجيب، 2005م: 2).

17-        ويستخدم البحث الإنثوجرافي ليمكن المعلمين من مواجهة التحديات وحل المشكلات التي تواجههم بأنفسهم، ما يؤدي إلى تحسين التعلم للطلاب في صفوفهم الدراسية من خلال دراسة المشكلات المتعلقة بالمناهج وطرق التدريس، ويساعد المعلم على التقييم الذاتي، والتفكر في ممارساته الصفية، وبالتالي تحسين أداء الطلاب، وتحسين أداء المعلمين أنفسهم، فيوفر للتربويين منهجية للتفكر والنظر في الاختيارات المتاحة وتنفيذ الحلول الممكنة وتقييمها (حيدر، 2003م: 76).

مراحل المنهج الإنثوجرافي:

أولاً / مرحلة ما قبل الدراسة الحقلية. يتم في هذه المرحلة تحديد التالي:

     اختيار مشكلة الدراسة، الموضوعات الفرعية منها، والخلفية النظرية للبحث، المفاهيم نظرياً وإجرائياً، ونع الدراسة، وفروض أو تساؤلات الدراسة، والعينة والإطار الزمني والمكاني، والمنهج ووسائل جمع البيانات.

ثانياً / مرحلة الدراسة الحقلية. يتم في هذه المرحلة تحديد التالي:

     عند النزول للميدان والقيام بالدراسة لا بد على الباحث القيام بعدة خطوات هي: طلب إذن رسمي، تقديم الذات وتوضيح أهداف البحث للمبحوثين، وجمع وتسجيل المعلومات.

ثالثاً / مرحلة ما بعد الدراسة الحقلية.

      بعد جمع البيانات يقوم الباحث بعملية تصنيف للموضوعات، ويحتاج لفترة كافية من الزمن لتصنيفها ومراجعتها لمعرفة مدى اجابتها على تساؤلاته، ثم تحليل النتائج وكتابة التقرير النهائي.

أنواع المنهج الإنثوجرافي:

     تتعد الأنواع المختلفة للبحث الإنثوجرافي، حيث أشار ( كراسويل) إلى نوعين رئيسين للبحوث الإنثوجرافية، يتركز عليهما اهتمام معظم الباحثين: البحث الإنثوجرافي الواقعي، ودراسة الحالة (الأسمري، 1441ه: 2، 3).   

     وبصفة عامة يعد البحث الإنثوجرافي فرعاً من فروع البحوث الكيفية أو النوعية، وتتنوع تسميات البحث الإنثوجرافي، فيطلق عليه أحياناً: البحث النوعي، أو الكيفي، أو البحث الحلقي، أو الطبيعي، أو البحث التفسيري، وهناك عدة أنواع من البحث الإنثوجرافي:

1-             البحث الإنثوجرافي التقليدي.

2-             البحث الإنثوجرافي الذاتي.

3-             البحث الإنثوجرافي النسوي.

4-             البحث الإنثوجرافي السردي.

5-             البحث الإنثوجرافي لتاريخ الحياة.

6-             البحث الإنثوجرافي لتحليل الصورة (الصور الفوتوغرافية، أشرطة الفيديو....).

7-             البحث الإنثوجرافي النقدي (السلطان، 1430ه: 16).

أسس المنهج الإنثوجرافي:

1-             تواجد الباحث بميدان البحث في المجتمع المدروس تواجداً مستمراً، قد يصل إلى عدة أعوام.

2-             يتطلب انفتاح ذهني ومهارات وتدريبات على تقنيات الملاحظة والمقابلة والحوار.

3-             يتطلب وقت وجهد واندماج ومشاركة كلية ومستمرة للسلوك اليومي في بيئة الدراسة (الأسمري، وآخرون، 1441ه: 2).

أدوات جمع بيانات المنهج الإنثوجرافي:

     المنهج الإنثوجرافي منهج تفاعلي يتطلب وقتاً طويلاً وإجراءات مختلفة ويستخدم أدوات متعددة في جمع البيانات من أشكالها:

     1/ الملاحظة: من أهم الأدوات في الدراسات الحقلية لجمع البيانات وتصنف إلى: (ملاحظة بسيطة، والملاحظة المنظمة، الملاحظة بالمشاركة).

     2/ المقابلات الإنثوجرافية: يتم إجراء المقابلات مع الأفراد للحصول على وجهات نظر المشاركين لعالمهم والأحداث المهمة، وتنقسم إلى قسمين: (المقننة، غير المقننة).

     3/ السيرة الذاتية: لبعض الأفراد مثل المذكرات؛ فتعطي بيانات عن مجتمع الدراسة وثقافتهم والأحداث التي مرت بهم والعلاقات الاجتماعية.

     4/ الاختبارات النفسية: (الاختبارات الإسقاطية، اختبار رورشاخ، اختبار تفهم الموضوع).

     5/ تحليل الوثائق والسجلات: هو أسلوب غير تفاعلي للحصول على المعلومات ويتم بتحليل الوثائق مثل: اليوميات والرسائل والمذكرات والتقارير.

     6/ أدوات ومعدات يمكن استخدامها للمساعدة في عملية البحث وهي: (الأدوات التقليدية كاستخدام القلم والورق والمسجل الصوتي، أدوات حديثة مثل أدوات الملاحة وأجهزة الكمبيوتر، والكاميرات وكاميرات الفيديو الرقمية، والإنترنت، والمدونات).

     يتضح أن طرق وأدوات ممارسة البحث الإنثوجرافي تغيرت وتطورت بشكل كبير منذ دخول الإنترنت والتكنولوجيا لتسهيل العملية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الباحث قد يستخدم أكثر من أداة في دراسته، فيمكن أن يستخدم الملاحظة، والملاحظة بالمشاركة والمقابلة والسيرة الذاتية والاختبارات النفسية وغيرها في دراسة واحدة (الأسمري، وآخرون، 1441ه: 3).

مجالات استخدام المنهج الإنثوجرافي التربوية:

-       تعليم الكبار.

-       التنشئة الاجتماعية.

-       الطفولة المبكرة.

-       المناخ المدرسي.

-       التفاعل داخل الفصل الدراسي والمدرسة.

-       طرق التدريس.

-       الثقافة المدرسية.

-       التعليم غير النظامي.

-       أساليب التحفيز.

-       الثقافات الفرعية والتربية (الأسمري، 1441ه: 4).

خطوات بناء المنهج الإنثوجرافي:

     1/ اختيار المشروع.  يختلف مجال هذه المشروعات اختلافاً كبيراً عن دراسة مجتمع كامل معقد، مثل جماعات صيد الإسكيمو في آلاسكا، إلى موقف اجتماعي محدود أو مؤسسة صغيرة، مثل أحد النواحي الرياضية أو ملعب المدرسة. وللموقف الاجتماعي دائماً ثلاثة مكونات: المكان والممثلون والأنشطة.

     2/ طرح الأسئلة. يحتاج الباحث إلى أن يكون لديه مجموعة من الأسئلة لترشده فيما يسمع أو يرى وفي جمع البيانات.

     3/ جمع البيانات. يقوم الباحث بدراسة ميدانية لمعرفة الأنشطة التي يقوم بها الناس والخصائص الفيزيائية للمكان وكيف يكون شعور المرء عندما يكون جزءاً من الموقف. وهنا يستخدم الباحث ملاحظة المشارك والمقابلات المتعمقة، وغير ذلك من أساليب جمع البيانات.

     4/ إعداد السجل. وتتضمن هذه الخطوة أخذ لملاحظات ورؤوس أقلام وصور ميدانية وعمل الخرائط واستخدام أية وسائل أخرى لتسجيل الملاحظات.

     5/ تحليل البيانات. يتبع الدراسة الميدانية دائماً تحليل البيانات، مما يؤدي بالتالي إلى أسئلة جديدة وفرضيات جديدة، ويتبع ذلك مزيد من جمع البيانات، وتحليل أكثر لهذه الأخيرة، وتستمر هذه الدورة حتى يكتمل المشروع.

     6/ كتابة التقرير. يجب أن يكتب الباحث التقرير الإنثوجرافي بحيث يجلب الثقافة موضوع المشروع إلى الحياة أمام القارئ ليشعره بأنه يفهم الناس وطريقتهم في الحياة. ويمكن للباحث تبسيط هذا العمل بأن يبدأ الكتابة في وقت مبكر أثناء جمع البيانات بدلاً من الانتظار إلى النهاية ومما يسهل مهمة الكتابة أيضاً أن يقرأ الباحث التقارير الاثنوجرافية الأخرى الجيدة قبل أن يبدأ في كتابة تقريره.

بعض الفوائد والمزايا التي يحققها المنهج الإنثوجرافي في الميدان التربوي:

     1/ يقدم فهماً أعمق للظاهرة التربوية موضع الدراسة، ويساعد في فهم الممارسات والتفاعلات الإنسانية، كما يهدف إلى الفهم في سياقات مختلفة وديناميكية، فهو بذلك على عكس الأبحاث الكمية التي تضحي بتكامل الظاهرة وديناميكيتها من أجل إخضاعها للقياس الرقمي.

     2/ إن استخدام البحث الإنثوجرافي في التربية يساعدنا على فهم أي ظاهرة أو مشكلة لا نعرف عنها إلا الشيء اليسير، وكذلك يصبح مفيدا وفاعلا عند استخدامه للحصول على معلومات معمقة من الصعب التعبير عنها بطريقة كمية أو إحصائية.

     3/ يؤدي تطبيق المنهج الإنثوجرافي في المجال التربوي إلى دراسة السلوك الإنساني وفهمه وتأويله، على مستوى من التعمق لا يتحقق في الدراسات الكمية التي تحصر نطاقها في المظهر الخارجي للسلوك، و لا يمكنها الكشف عن الأساليب الكامنة خلفه، أو عن العوامل والقوى السياسية والثقافية التي تكمن خلف هذا السلوك.

     4/ يسهم المنهج الإنثوجرافي في دراسة الظواهر والعمليات التربوية، ودوافع التفاعل الاجتماعي داخل المدرسة، حيث يمكن اكتساب معرفة صادقة وثابتة عنها من الداخل عن طريق البحث المتعمق من خلال الملاحظة بالمشاركة والمعايشة.

     5/ يساعد المنهج الإنثوجرافي على فهم كيفية تأثير المشاكل التعليمية المختلفة على تكوين أنماط التفاعلات، وبناء على المعاني داخل أسوار المدرسة وكيفية تشكيل هذه المعاني، وكيفية استجابة الطالب والمعلم لها.

6/ المنهج الإنثوجرافي في سياقه التربوي أكثر قدرة على دراسة تفاعلات عناصر العملية التربوية من طالب ومعلم ومناهج وإدارة، حيث يتولى تحليل هذه التفاعلات الإنسانية لا على أنها فقط إسقاطات لبنى اجتماعية من خارج المدرسة بل على أنها تفاعلات ديناميكية يساهم الأفراد في بناء المعاني لها، فالعناصر التعليمية وبخاصة الطالب ليست عناصر خاملة بل عناصر فاعلة وأساسية في بناء عالم المعاني والأفكار التربوية والاجتماعية.

     7/ تمكننا الأبحاث الإنثروجرافية من فهم أعمق لأثر الثقافة السائدة في المجتمع على الممارسات المختلفة التي تحدث داخل أسوار المدرسة، وكيفية قيام المدرسة بنقل هذه الثقافة، عبر ما يسمى بالثقافة المدرسية.

     8/ البحث الإنثوجرافي يمدنا بفهم واضح للواقع التربوي ويجعلنا أكثر قدرة على فهم التربية وكيفية إصلاح الواقع، ويجعلنا أكثر قدرة على تقديم صورة سياقية للعمليات الأساسية للتربية، كما تحدث في الحياة اليومية في مدارسنا، نظراً إلى أن نتائج هذه البحوث نتائج مشتقة من الواقع الفعلي وليست مجردات أو وصف للواقع إحصائياً.

     9/  يساعد المنهج الإنثوجرافي على فهم العديد من القضايا والمشكلات التعليمية والتربوية داخل المدرسة وتفسيرها، مثل العلاقة بين الوضع الاجتماعي والطبقي، ونوع التعليم والفرصة التعليمية المتاحة، وأنماط التفاعل الاجتماعي داخل الفصل والمدرسة، ومظاهر العنف بين الطلاب (السلطان، 1430ه: 31 -35).

     10/ يمكن المعلمين من مواجهة التحديات وحل المشكلات التي تواجههم بأنفسهم، مما يؤدي إلى تحسين التعلم للطلاب في صفوفهم الدراسية من خلال دراسة المشكلات المتعلقة بالمناهج وطرق التدريس، ويساعد المعلم على التقييم الذاتي، والتفكر في ممارسته الصفية، وبالتالي تحسين أداء الطلاب، وتحسين أداء المعلمين أنفسهم، فيوفر للتربويون منهجية للتفكر والنظر في الاختيارات المتاحة وتنفيذ الحلول الممكنة وتقييمها (الأسمري، 1441ه: 4).

الصعوبات التي تحول دون استخدام المنهج الإنثوجرافي في الميدان التربوي:

1-             البحث العلمي التربوي الجاد بصفة عامة يتطلب توافر بيئة علمية تساندها ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية تحتضن الإبداع الفكري، وتبني رؤى ومقاربات بحثية مغايرة ينفذ من خلالها إلى القضايا والإشكاليات التربوية بطرق وأساليب غير تقليدية تستند إلى الجرأة العلمية.

2-             الأثر الكبير للمنهج الكمي على البحوث التربوية، وما أدى إليه من تأثير في القرارات المصيرية التي صنعت تاريخ التعليم في مختلف أرجاء العالم العربي.

3-             احتياج الباحث النوعي إلى قضاء فترات طويلة في الميدان لجمع البيانات بنفسه أو مع باحثين مساعدين له.

4-             يتطلب البحث النوعي مهارات عالية وإمكانات عالية قد لا تتوافر في كثير من الباحثين، بصفته الأداة الأساسية لجمع البيانات.

5-             ضرورة الالتزام بقواعد ومبادئ أخلاقية وقانونية في البحث النوعي قد لا يستطيع الالتزام بها كثير من الباحثين.

6-             صعوبة توفير معايير الصدق والموضوعية.

7-             صعوبة تعميم نتائج البحث النوعي على حالات أخرى.

8-             هذا النوع من الدراسات يحتاج إلى وقت طويل وإلى دراسة وتدريب على استخدامه، وهو كذلك ذو كلفة اقتصادية كبيرة.

9-             يتطلب تدوين بيانات هائلة ودقيقة خلال فترة زمنية طويلة، بواسطة أشخاص مدربين تدريباً عالياً على أساليب الملاحظة، بالإضافة إلى صعوبة تحليل النتائج.

10-        صغر حجم العينة، فكثيراً ما يكون فرداً واحداً أو فصلاً أو مدرسة واحدة، ولذلك فإن النتائج كثيراً ما تكون بالعينة فقط.

وهناك مجموعة من العوامل التي تحول دون استخدام منهج الإنثوجرافي وهي:

أ/ عوامل سيكولوجية: تتمثل في النزعة المحافظة لدى الباحثين ولدى المجتمع بأكمله، حيث يميل الفرد غلى التكيف مع الأوضاع دون التفكير في تغييرها.

ب/ عوامل تربوية: تتمثل في نشأة أجيال من البحثين في ظل المدرسة الوظيفية البنائية التي تعتمد على المنهج الكمي في أبحاثها.

ج/ عوامل سياسية: تتمثل في خوف الباحثين التربويين من تناول قضايا وإشكاليات تخالف السلطة.

د/ عوامل تنظيمية: تتعلق بإدارات الجامعات ولجان الترقية التي تتولى فحص إنتاج الأستاذ الجامعي ومنحه ترقية، وهي لجان نشأت في أحضان النموذج الإمبريقي الذي يدعم البحث الكمي (السلطان، 1430ه: 37 -40).

التحديات التي تواجه المنهج الإنثوجرافي:

1-             إيجاد مصادر لتمويل البحوث من جامعات خارجية أو منظمات تجارية أو جمعيات خيرية، وقد يكون إقناع هذه الهيئات بقيمة الإنثرجرافيا أمراً صعباً.

2-             التركيز الحالي على البحوث الكمية والطرق المختلطة بشكل عام.

3-             تغير ظروف العمل في الجامعات، حيث ان طلاب الدراسات العليا ملزمين بإكمال البحث في فترة زمنية محددة.

4-             توجد عقبات في خطوات وإعدادات الوصول إلى البيئة المعنية أو المؤسسة من أجل القيام بالعمل الإنثوجرافي.

5-             الترجمة تعتبر من المشكلات التي تعترض الباحث من خلال ترجمة الملاحظات في الرموز الوصفية إلى صيغة كمية، حيث أن البحث الإنثوجرافي اهتم بمظاهر السلوك اللفظي (الأسمري، 1441ه: 5).

خاتمة:

     إن الحاجة لهذا النوع من البحوث تزداد يوماً بعد يوم، فالمتأمل في الميدان التربوي يتضح أمامه قصور البحوث الكمية، عن معالجة العديد من المشكلات التربوية، وذلك لأن المحور الرئيس للتربية هو الإنسان، والطبيعة الإنسانية من الصعب التحكم فيها وفق متغيرات معينة، من خلال البحوث الكمية كما هو الحال في العلوم الطبيعية.

     كما أن الطعن الإحصائي يقلل كثيراً من قيمة نتائج البحوث الكمية، ولعل من المناسب الجمع بين البحوث الكمية والبحوث النوعية بأنواعها المتعددة، ومنها البحوث الإنثوجرافيا في علاج بعض المشكلات التربوية، وفي الوقت نفسه مناسبة البحوث الكمية فقط لمشكلات تربوية محددة، في حين تناسب البحوث الاثنوجرافية مشكلات أخرى.

     ويبقى من المهم أن يحرص الباحث على اختيار الأسلوب المنهجي الأمثل، الذي يساعده في حل مشكلته البحثية بكل موضوعية، بما يجعل نتائج بحثه تمثل إضافة حقيقة للمعرفة، تخدم الميدان التربوي بفعالية، وتسهم في تطوير البحث العلمي.

دراسات استخدمت المنهج الإنثوجرافي:

      1/ ثقافة التغذية وعلاقتها بانتشار مرض السمنة بمنطقة تلمسان – مقاربة أنثروبولوجية – رسالة ماجستير في الأنثروبولوجيا، شهرزاد بسنومي، جامعة أبي بكر بلقايد بالجزائر 2011م

     2/ بناء أطفال الروضة للسرد استجابة لبعض الأعمال الفنية : دراسة إثنوغرافية بالمملكة العربية السعودية، داليا عبد الواحد محمد، كلية التربية، جامعة الملك فيصل، المملكة العربية السعودية، المجلة التربوية. مج. 31، ع. 122، ج. 2، مارس 2017م

     3/ التنوع الثقافي في المدارس العالمية: دراسة إثنوغرافية، شيخة بخيت العتيبي، مجلة كلية التربية، جامعة المنصورة، العدد 119، يوليو 2022م.

     4/ المواقف اللغوية للمهريين في المملكة العربية السعودية تجاه اللغة المهرية والعربية، رسالة دكتوراة، خالد بن عبد الله الصقير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية اللغة العربية، 1438ه

     5/ الممارسات اللغوية في مواقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" دراسة اثنوغرافية لعينة من الشباب مستخدمي الفايسبوك في الجزائر، رسالة ماجستير، بن كحيل شهرزاد، جامعة وهران2 بالجزائر، كلية العلوم الاجتماعية، 2014م. 

المصادر والمراجع:

·       القرآن الكريم

الخشيبي، علي السيد محمد: المنهج الاستعادي واستخداماته في الدراسات التربوية والنفسية والاجتماعية، رابطة التربية الحديثة، بحث مقدم إلى مؤتمر (نحو مشروع حضاري تربوي) المقام بجامعة عين شمس ابريل 1987م.

جرجس، نبيل سعد خليل: المنهج التاريخي أو الاستردادي في دراسة التربية المقارنة، مجلة التربية المقارنة والدولية، العدد الثالث، اكتوبر 2015م.

العساف، صالح حمد: المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية، الطبعة الأولى، الرياض، دار الزهرة، 2010م.

عبدالله، عبدالرحمن صالح: البحث التربوي وكتابة الرسائل الجامعية، الطبعة الأولى، الكويت، مكتبة الفلاح، 2006م.

أبو سليمان، عبدالوهاب إبراهيم: كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات العربية والتاريخية، الطبعة الأولى، جدة، دار الشروق، 1995م.

النهاري،  عبدالعزيز محمد، السريحي، حسن عواد: مقدمة في مناهج البحث العلمي، الطبعة الأولى، جدة، دار خلود، 2009م.

السلطان، فهد سلطان: المنهج الإثنوغرافي، رؤية بحثية تجديدية لتطوير واقع العمل التربوي، 1430ه.

عبيدات، ذوقان، عبدالحق ،كايد، عدس، عبدالرحمن: البحث العلمي مفهومه وأدواته وأساليبه، الطبعة الخامسة عشر، الأردن، دار الفكر، 2013م.

العباسي، ياس خضر: إنثوغرافيا الطعام بحث في الانثروبولوجيا الثقافية، مجلة العلوم التربوية والنفسية، الجمعية العراقية للعلوم التربوية والنفسية، العدد 102، 2013م.

قزادري، حياة، تامي، نصيرة: المنهج الإنثوغرافي كاتجاه منهجي في دراسة الظواهر الاتصالية الجديدة، شبكة المؤتمرات العربية، الملتقى العلمي المعاصر للعلوم التربوية والاجتماعية والانسانية والادارية والطبيعية نظرة بين الحاضر والمستقبل، اسطنبول، 2019م.

زيتون، كمال: منهجية البحث التربوي والنفسي من المنظور الكمي والكيفي، القاهرة، عالم الكتب، 2004م.

الأستاذ، محمود حسن: المنهج الأثنوغرافي أولوية مقترحة في تشخيص المشهد التربوي وتطويره، في أعمال المؤتمر العلم الثاني، أولويات البحث العلمي في فلسطين، نحو دليل وطني للبحث العلمي، الجامعة الإسلامية بغزة ، شؤون البحث العلمي، 2013م.

الأسمري، فاطمة، القصيمي، نهلة: تقرير عن الإنثوغرافيا، ورقة علمية في مقرر المنهج الكيفي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية التربية، قسم أصول التربية، 1441ه.

ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن على: لسان العرب، دار المعارف، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.

الرازي، محمد بن بكر: مختار الصحاح، المطبعة الكلية، الطبعة الأولى،  1329هـ.

ابن كثير، الحافظ أبي الفداء اسماعيل  القرشي الدمشقي: تفسير القرآن العظيم ، الطبعة الأولى، دار المعرفة، بيروت،  1407هـ.

الأصفهاني، أبي القاسم الحسين: المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة،  لبنان، دون تاريخ.

علي، ماهر أبو المعاطي: الاتجاهات الحديثة في البحوث الكمية والبحوث الكيفية ودراسات الخدمة الاجتماعية، سلسلة اتجاهات حديثة في الخدمة الاجتماعية، الكتاب الحادي عشر، الطبعة الأولى، دار الكتب والوثائق القومية، مصر، المكتب الجامعي الحديث، 2014م.

قنديلجي، عامر إبراهيم: البحث العلمي واستخدام مصادر المعلومات التقليدية والإلكترونية، الطبعة الثانية، عمان، دار البازوري، 2007م.

جلبي، علي عبدالرزاق: المناهج الكمية والكيفية في علم الاجتماع، الإسكندرية، دار المغرفة الاجتماعية، 2012م.

 بكر، عبدالجواد السيد: رؤية في فنيات البحث الانثوجرافي المقارن، التربية، المجلس العلمي لجمعيات التربية المقارنة، الجمعية المصرية للتربية المقارنة والإدارة التعليمية، المجلد السادس عشر، العدد الثاني والأربعون، 2013م. موقع مدونة محمد بت عبدالرحمن: https://2u.pw/xTh4DK     الدخول يوم السبت 14/ 1/ 2023م الساعة 5:00م

موقع مقالات حول العالم: دراسة أكاديمية تحليلية ومنهجية، للدكتور هيثم الحسيني http://www.alshirazi.com/world/article/2011/770.htm

الدخول يوم السبت 14/ 1/ 2023م الساعة 7:00م

 



[1] المنهج الإمبريقي في البحث, تعني اكتساب المعرفة من خلال الملاحظة, في التعرف على الأشياء والظواهر وتجريبها بواسطة الحواس، وتعني التجريبية، والخبرة والاختبار والمحاولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق