الأحد، 5 مارس 2023

وصية تربوية من كتب الأدب في التاريخ التربوي الإسلامي (البيان والتبيين للجاحظ )

 

وصية تربوية من كتب الأدب

 في التاريخ التربوي الإسلامي

 

إن المتأمل في كتب التاريخ والأدب الإسلامي العريق يجد الآلاء المنثورة والدرر المنشورة، ولكل علةٍ أقوالٌ مسطورة، بمدادٍ من حِكم العقول المستنيرة.   

جاء في البيان والتبيين للجاحظ ما روي عن دِغفلِ بن حنظلة: "إن للعلم أربعاً: آفة ونَكداً وإضاعة ومستجاعة. فآفته النسيان، ونكَده الكذب، وإضاعته وضعُه في غير موضعه، واستجاعته أنك لا تشبع منه".

البيان والتبين – لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ – المكتبة العصرية – جزء 1 - 2011ص167

وجاء في مجمع الأمثال لأبي الفضل: "إن للعلم آفة ونكدا وهُجْنَة واستجاعة؛ فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه، وهُجْنتَه نَشْره في غير أهله، واستجاعته أن لا تشبع منه".

مجمع الأمثال – لأبي الفضل أحمد النيسابوري الميداني – دار الكتب العلمية 2010 مجلد1 – ط3 - ص 94

تباينت ألفاظ النصوص لكنها تشابهت في معالجتها لأربعة أمور تتعلق بالعلم، وهي: نسيانه، والكذب فيه، ونشره في غير محله، والإفراط فيه دون تقنين.

فيرى دِغفلِ أن العلم يحتاج إلى مداومة ومراجعة بين فينة وأخرى، والتركيز فيه وعدم الانصراف لغيره لأي سبب كان، ويكون طلبه ابتغاء وجه الله تعالى.

كما قال الإمام الشافعي:

شَكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حفظي   فأرشَدَني إلى تَركِ المعاصي

اعلَــــــــــمْ بأنْ العِلــــــمَ نورٌ   ونُورُ اللهِ لا يُؤتَى لعاصــــــي

ديوان الإمام الشافعي وحكمه وأقواله السائرة – دار مكتبة المعارف -2012 – ص64

فمن ترك الملهيات والمعاصي، وسعى في طلب العلم بغية مرضاة الله، آتاه الله بغيته ووهبه من علمه ونوره، فأصبح بذلك يُنير عقول الآخرين بنشره للعلم وبث ضياءه، فنشر العلم فيه الخير الكثير، شريطة أن يُنقل بالشكل الصحيح دون تحريف وتصريف، بمنأى عن الكذب والمخادعة لأهداف شخصية ودنيوية. فالكذب خصلة ذميمة وصفة رديئة في مجملها وعمومها، إذ قيل فيها ما قيل، وأوجز الشاعر حين قال:

لا يكذبُ المرءُ إِلا من مهانتِه   أو عادةِ السوءِ أو من قلةِ الأدبِ

لَبعضُ جيفةِ كلبٍ خيرُ رائحةٍ   من كذبةِ المرءِ في جدٍّ وفي لعبِ

المُستَطرف في كلِ فنٍ مستظرف – شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي –دار مكتبة الحياة1412هـ  ج1 –ص358

فمن اعتاد الكذب إنما لمهانة في نفسه وسوء أدبه، حتى وإن تعلم بعضاً من العلوم والمعارف، كان حري به أن يتأدب ويتجمل بالصدق والمروءة قبل أن ينهل علمه.

كما قال الشاعر:

وَمَا شَيْءٌ إذَا فَكَّرْتَ فِيـــــهِ   بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوءَةِ وَالجَمَالِ

مِنَ الكَذِبِ الَّذِي لاَ خَيْرَ فِيهِ   وَأَبْعَدَ بِالْبَهَاءِ مِنَ الرِّجَالِ

أدب الدنيا والدين – الماوردي – المكتبة العصرية 2012 – ص295

والحذر من نشر العلم لغير أهله وعند من لا يعي أهميته؛ فهو بذلك يهدر وقته وعلمه في غير محله. ففي ذلك يشير الإمام الشافعي:

وَمَنْ مَنَحَ الجُهَّالَ عِلماً أضاعَهُ   ومَنْ مَنَعَ المُستوجبينَ فقدْ ظَلَمْ

ديوان الإمام الشافعي وحكمه وأقواله السائرة – دار مكتبة المعارف -2012 – ص88

ويقول الإمام الشافعي أيضاً:

فَمنْ حَوى العِلمَ ثمَّ أودَعَهُ   بِجهْلِهِ غيرَ أهلِهِ ظَلَمَهْ

وكان كالمُبتَني البنـــاءَ إذا   تمَّ لهُ ما أرادَهُ هَدَمَـــهْ

ديوان الإمام الشافعي وحكمه وأقواله السائرة – دار مكتبة المعارف -2012 – ص91

وإن طلب العلم من المطالب النبيلة للمتعلم، لكن يجب أن تكون بتقنين وتقييد، فلا يكون المتعلم كحاطب ليل يجمع الغث والسمين ويخلط ما ينفع بما يضر، دون تدوين وتمحيص.

وفي ذلك يقول الجاحظ: "وإنما عاب الاستجاعة لسوء تدبير أكثر العلماء ولخرق سياسة أكثر الرواة، لأن الرواة إذا اشغلوا عقولهم بالازدياد والجمع عن تحفظ ما قد حصلوه، وتدبر ما قد دونوه، كان ذلك الازدياد داعياً إلى النقصان وذلك الربح سبباً للخسران".

وكما جاء في الأثر أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستقرِئون من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا إذا تعلَّموا عَشْر آيات لم يخلِّفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلَّموا القرآن والعمل معاً. وهذا أدعى للعلم وتعلمه والعمل به دون نسيان وضياع.

https://2u.pw/9kEqx     الإسلام سؤال وجواب تاريخ الدخول 14/10/2022 الساعة 6.30 م

ويجدر بالمتعلم أن يتلقى العلم تباعاً حتى يفهمه ويحفظه، ولا يكثر من الاستزادة دون التقنين والتجويد، فيصرف الوقت والجهد دونما فائدة، فيذهب ما حاول اصطياده من علوم ومعارف أدراج الرياح هباءً منبثا.

كما قال الإمام الشافعي:

العلــــــــمُ صَيدٌ والكِتابةُ قَيدُهُ   قَيِّدْ صُيودَكَ بالحِبالِ الواثِقـةْ

فَمِنَ الحَماقةِ أنْ تَصيدَ غَزالةً   وتتْرُكَها بين الخلائقِ طالقةْ

ديوان الإمام الشافعي وحكمه وأقواله السائرة – دار مكتبة المعارف -2012 – ص74

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق