الثلاثاء، 7 مارس 2023

مفهوم الدراسات النقدية

مفهوم الدراسات النقدية

     إن الحمد لله نحمده تبارك وتعالى ونصلي ونسلم على خير الأنام النبي الأمي الهادي البشير والسراج المنير r وبعد:

     تعددت أساليب التربية والتعليم في التربية الإسلامية، ومن تلك الأساليب أسلوب النقد التربوي المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وما استنبطه علماء هذه الأمة رحمهم الله، وفق الضوابط والآداب الشرعية.

الدراسات لغة:

     الدراسات جمع دراسة، والدراسة من مادة (درس) قرأهُ وأقبل عليه ليحفظه ويفهمه. ويقال: درس العلمَ والفنَّ. (دَارَسَ) الكتابَ ونحوه مدارسةً، ودِرَاساً: درسه. و- فلاناً: قارَأهُ وذاكَرَه (المعجم الوسيط، بدون تاريخ: 279)

     فالدراسة تعني فهم الشيء وتعاهده واستيعابه، وتتبعه واستقصاؤه.    

مفهوم النقد في اللغة:

      وردت كلمة النقد في اللغة باشتقاقات متعددة، فيقال:

-       نَقَدَ ينقُد، نَقْداً، فهو ناقِد، والمفعول منقود.

-       أنقدَ يُنقد، اِنقاداً، فهو مُنقِد، والمفعول مُنقَد.

-       انتَقَد ينتقد، انتقاداً، فهو منتقِد، والمفعول منتقَد.

-       ناقَدَ يناقِد، مناقَدةً، فهو مُناقِد، والمفعول مُناقَد (عمر، 1429هـ: 3/ 2264).

     ومن جمال اللغة العربية أن تجد للكلمة عدة معانٍ متعددة تفيد في مجالات متنوعة تخدم موضوعاً محددً، ومنها ما يلي:

الكشف والإبراز:

     حيث أورد ابن فارس أن: "النون والقاف والدال أصلٌ صحيح يدلٌ على إبراز شيء وبروزه. من ذلك: النقَّد في الحافر، وهو تقشُّرُهُ. حافرٌ نَقِدٌ: متقشِّر. والنقَد في الضِّرس: تكسرُّه، وذلك يكون بتكشُّف لِيطِه عنه. ومن الباب: نَقْد الدِّرهم، وذلك أن يُكشَف عن حالِهِ في جودته أو غير ذلك. ودرهمٌ نَقْدٌ: وازِنٌ جيّد، كأنَّه قد كُشِف عن حاله فعُلم" (ابن فارس، 1399هـ: 5/ 467).

     وعليه يتبيّن أن كلمة النقد لها دلالة لغوية يستفاد منه في الكشف عن الحقائق وإبرازها في العملية التربوية والتعليمية.

الاختبار والتمييز:

     جاء في المعجم الوسيط: "نَقَدَ الشيءَ نَقْداً: نَقَره ليختبره، أو ليميّز جيدَه من رديئه. يقال: نقدَ الطائرُ الفَخَّ، ونقدت رأسَه بإصبَعي. ونَقَد الدّراهم والدَّنانير وغيرهما نقداً، وتَنقاداً: ميَّز جيِّدها من رديئها". كذلك قولهم: "والنقْد: فن تمييز جيِّد الكلام من رديئه، وصحيحه من فاسده" (مجمع اللغة العربية، 1425ه: 2/ 944).

     يتضح أن النقد يفيد في اختبار وتمييز النظريات والأساليب وغيرها في العملية التربوية والتعليمية وفق المنهجية العلمية.

المناقشة:

     جاء في لسان العرب: "وناقَدْتُ فُلاناً إذا ناقَشتَهُ في الأمرِ" (ابن منظور، :6/ 4517).

المناقشة العلمية تعتبر ضمن أساليب النقد العلمي الذي يفيد في تطوير العملية التربوية والتعليمية.

امعان النظر والتمحيص:

     أما في تاج العروس: "اختلاُس النَّظَرِ نَحْوَ الشيء، وقد نَقَدَ الرجُلُ الشيءَ بنَظَرِه يَنْقُد نَقْداً، ونَقَد إليه: اختَلَس النَظَرَ نَحْوَه، وما زال فُلانٌ يَنْقُد بصَرَه إلى الشيءِ، إذا لم يَزَلْ يَنْظُر إليه، والإنسان يَنْقُدُ الشيءَ بِعَيْنِه، وهو مُخَالَسةُ النَّظرِ لئلاَّ يُفْطَنَ له، وزاد في الأساس: كأنَّما شُبِّه بنظَرِ الناقِدِ إلى ما يَنْقُدُه" (الزبيدي، 1391هـ: 9/ 231).

     مما سبق يتضح أنه من ضمن الدلالات اللغوية تفيد امعان النظر والتمحيص بين ثنايا القضايا والنظريات التربوية والتعليمية.

مفهوم النقد في الاصطلاح:

     قيل في معجم المصطلحات التربوية والنفسية أن النقد: "إحدى مهارات تقييم المعلومات. وتعني القيام بفحص دقيق للموضوع او القضية؛ بهدف تحديد مواطن القوة والضعف من خلال التحليل وإصدار الأحكام، بالاستدلال إلى معايير مقبولة تتخذ أساساً للنقد" (شحاتة وآخرون، 1424ه : 315).

     وهنا يراد بالنقد أنه من مهارات التقييم التي من شأنها أن تتفحص وتحلل القضايا التربوية والتعليمية بالشكل المطلوب؛ للتمكن من إصدار الأحكام.

     أما المعجم الفلسفي فإنه يرى أن النقد على ضربين: "نقد خارجي هو الذي ينصب على صورة الوثائق التاريخية لتحديد مدى صحتها وأصالتها. ويقابل النقد الداخلي وهو الذي يحلل النصوص والوثائق نفسها، ويقابل بعضها ببعض" (مدكور، 1403هـ: 205).

     ويظهر أن النقد يأخذ منحيين، أحدهما خارجي يمعن النظر في الشكليات؛ ليحدد معالمها ويتأكد من صدقها. أما الآخر يحلل النصوص ويكشف ويميز المضمون ويقارن المعلومات بعضها البعض.

     وأشار الشايب أن النقد: "دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها المشابهة لها أو المقابلة، ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها، يجري هذا في الحسيات والمعنويات، وفي العلوم والفنون وفي كل شيء متصل بالحياة" (الشايب، 1994م: 115).

      يتضح أن النقد يشمل الدراسة والتفسير والتحليل، ووضع المشابه والمقابل ميزاناً (كضابط) لبيان القيمة والدرجة التي يمكن بناءً عليها أن تصدر الأحكام.

مفهوم الدراسات النقدية:

     بناءً على ما تم سرده من تعريفات سابقاً، يعرف الباحث الدراسات النقدية إجرائياً بأنها: "تلك الكتابات العلمية القائمة على التحليل والاستنتاج وفق الضوابط المحددة بهدف التقويم والتطوير في أي مجال من المجالات".

     فالدراسات النقدية تشمل شتى جوانب الحياة: الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، العسكرية،... فمها اختلفت المجالات وتنوعت التخصصات وتباينت الفنون، إلا أنها تشترك في التقويم والتطوير وفق معايير مقننة.

     وعند الحديث عن مجال التربية والتعليم، هناك أيضاً مفهوم حول الدراسات النقدية التربوية بتخصصية بحتة؛ فهي تخدم الميدان التربوي.  

مفهوم النقد التربوي:

     عرفه أبو العينين على أنه: "العملية العقلية التي تستند إلى أسسٍ اجتماعيةٍ وعلمية، بهدف تقويم المعرفة التربوية النظرية، وما ينتج عنها من ممارساتٍ علميةٍ متمثلة في البحث التربوي، ومن تطبيقاتٍ متمثلة في نماذج سلوكية" (أبو العينين، 1411ه: 17، 18).    

     بالرغم من أن التعريف السابق ارتكز على الجانب الاجتماعي والعلمي فقط، إلا أنه أعطى الأهمية للجانب العقلي، الذي يحتاجه الناقد عند التفكير بتمعن ودقة في القضايا التربوية والتعليمية؛ لتقويمها بالشكل الذي يتوافق مع الأسس المشار إليها.

     بينما ذهبت كوثر إلى أنه: "عملية الفحص الدقيق للموضوع أو القضية التربوية، من خلال التحليل والتقييم لما تشتمله من فلسفات ونظريات ومفاهيم وآراء وأساليب وتطبيقات، ثم إصدار الحكم عليها، بتحديد مقدار قيمتها العلمية والتطبيقية، ومواطن القوة والضعف فيها، بالاستناد إلى معايير علمية، مستنبطة من سنن الله وشريعته" ( الشريف، 2011م: 484).

     وهذا التعريف ارتكز على سنن الله وشريعته، وبه شمول وتفصيل، إلا أنه تعريف مطول،  حيث يتبيّن فيه أن النقد التربوي عملية فحص وتمحيص، وتحليل دقيق للقضايا التربوية والتعليمية وكل ما يتعلق بها من الأساليب والنظريات والممارسات والآراء، وغيرها بغرض التقييم ومعرفة الجوانب السلبية والايجابية؛ لاختيار ما يناسب وفق ضوابط علمية مستمدة من الشريعة الإسلامية.

     أما دراسة الجابري أورد فيها تعريفاً جامعاً مانعاً، حيث يقول عن النقد التربوي: "عمليةٌ فكريةٌ علميةٌ، تقوم على دراسة المجالات التربوية، بهدف التصحيح والتطوير، ثم إصدار الحكم عليها وفق منهج تعاليم الإسلام" (الجابري، 1430ه: 14).

     يلاحظ في التعريف السابق الاعتماد على منهج تعاليم الإسلام؛ وهنا يشمل القرآن الكريم والسنة النبوية وقول السلف الصالح ومن سار على نهجهم وما استنبطه علماء الأمة. كما أن اطلاق عبارة المجالات التربوية تشمل جميع النظريات والأساليب والآراء والأقوال والتطبيقات والممارسات وغيرها. أما عن التشابه مع غيرها من التعريفات يتجلى في أن النقد التربوي عملية عقلية فكرية علمية، تهدف إلى التصحيح والتطوير بأساليب وأدوات النقد.

المصادر والمراجع

1/ ابن فارس، أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا.. معجم مقاييس اللغة. دار الفكر، 1399هـ

2/ ابن منظور، محمد بن مكرم.. لسان العرب، دار المعارف، القاهرة

3/ عمر، أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة.. الطبعة الأولى. مصر: عالم الكتب 1429هـ

4/ مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، الطبعة الرابعة. مصر: مكتبة الشروق 1425هـ

5/ الشريف، كوثر محمد رضا الحسيني، مبادئ النقد التربوي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد 145، الجزء 1، 2011م –

6/ الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني تاج العروس من جوهر القاموس، تحقيق عبدالستار أحمد فراج، الكويت: التراث العربي، 1391هـ

7/ مدكور، إبراهيم، المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، 1403ه

8/ شحاتة، حسن، وزينب النجار، معجم المصطلحات التربوية والنفسية، مراجعة حامد عمار، الطبعة الأولى. القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 1424ه

9/ الشايب، أحمد، أصول النقد الأدبي، الطبعة العاشرة. مصر: مكتبة النهضة المصرية، 1994م

10/ الجابري، حسين نفاع، النقد التربوي في المنهج الإسلامي، رسالة دكتوراة، عام 1430ه. الجامعة الإسلامية، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم التربية.

11/ أبو العينين، علي خليل، نقد المعرفة التربوية المعاصرة: الأهداف والأطر، بحوث مؤتمر "نحو بناء نظرية تربوية إسلامية"، عمّان ، 1411هـ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق