الثلاثاء، 7 مارس 2023

مفهوم علم المستقبل

 

     إن الحمد لله نحمده تبارك وتعالى ونصلي ونسلم على خير الأنام النبي الأمي الهادي البشير والسراج المنير r وبعد:

     إن تفوق المجتمعات لا يكون إلا بالعلم الذي به ترتقي الشعوب والأمم، والدول التي أدركت ذلك لم تعتني بمستوى تعليمها الحالي وحسب، بل إنها أخذت على عاتقها النظر إلى مستقبل أبعد من ذلك؛ لترسم طريقها نحو التقدم والتميز بين الدول.

 

مفهوم علم المستقبل

العلم في اللغة:

     العِلْمُ: العين واللام والميم اصلٌ صحيح واحد، يدل أثَرٍ بالشيء يتميَّزُ به عن غيره. والعِلْم: نقيض الجهل، وتعلّمت الشَّيءَ، إذا أخذت علمَه (ابن فارس، 1399ه : 109-110). 

     العِلْمُ: نَقِيضُ الْجَهْلِ، عَلِمَ عِلْماً، وعَلُمَ هُوَ نَفْسُهُ، وعَلِمْتُ الشَّيءَ أَعْلَمُهُ عِلْماً: عَرَفْتُهُ (ابن منظور، بدون تاريخ: 4 / 3083).

     مما سبق يظهر أن العلم هو معرفة الشيء وعدم الجهل به، وهذه المعرفة إما أن تكون من ذات الشخص أو تعلمها من غيره.

العلم اصطلاحاً:

     أشار الجرجاني أن العلم: "هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، وقال الحكماء: هو حصول صورة الشيء في العقل، والأول أخص من الثاني، وقيل: العلم، هو إدراك الشيء على ما هو به، وقيل: زوال الخفاء من المعلوم، والجهل نقيضه" (الجرجاني، بدون تاريخ: 199).

     وعرف ابن عثيمين العلم بأنه: "المعرفة وهو ضد الجهل، وقال آخرون من أهل العلم: إن العلم أوضح من أن يعرف" (ابن عثيمين، الشاملة: 9).

     ويتبين مما سبق أن العلم هو إسدال الستار عن ما يُجهل، وزوال الغموض عنه، وتكوين الصورة الذهنية لتلك الحقائق وادراكها والتثبت منها. 

المستقبل لغة:

     استقبلَ يستقبل، استقبالاً، فهو مُستقبل، والمفعول مُستْقبَل. استقبل عهداً زاهراً: دخل في حياة جديدة كريمة (عمر، 1429هـ: 3/ 1769).

    وجاء في موقع المعاني: مُستَقبَل اسم، مفعول من اِستقبلَ (الآتي من الزمان) له مستقبل زاهر: ستكون حياته المقبلة، الآتية زاهرة (موقع إلكتروني، 16 -12- 2022م).

     يتبين أن المستقبل هو العهد والزمان الذي سوف يأتي على الإنسان ليتعايشه فيكون حياته الجديدة المقبلة عليه.

المستقبل اصطلاحاً:

    عرفه الجرجاني أنه: "ما يترقب وجوده بعد زمانك الذي أنت فيه، يسمى به، لأن الزمان يستقبله" (الجرجاني، بدون تاريخ: 272).

    وعليه يتضح أن المستقبل هو الزمان والوقت الذي يأتي على الإنسان بعد حين، فإما أن يدركه ويتعايش معه، أو لا يدركه. فإن لم يكن موجود سوف يستقبله الزمان؛ فالمستقبل آتٍ لا محال.

     ومما سبق من تعريفات يمكن القول أن علم المستقبل هو ذلك العلم المبني على المعرفة، التي تعطي للإنسان توقع ما سوف يكون.

     حيث أشار عامر أن علم المستقبل هو: "تخصص علمي جديد يحاول فيه الباحث تكوين صور مستقبلية متنوعة محتملة الحدوث، وفي ذات الوقت يهتم بدراسة المتغيرات التي يمكن أن تؤدي إلى احتمال تحقيق هذه الصور المستقبلية، هذا العلم يهدف إلى رسم صورة تقريرية محتملة للمستقبل بقدر المستطاع" (عامر، 2008م: 18).

     وهذا ما يؤكده المهدي في تعريف علم المستقبل: "هو العلم الذي يرصد التغير في ظاهرة معينة، ويسعى لتحديد الاحتمالات المختلفة لتطورها في المستقبل، وتوصيف ما يساعد على ترجيح احتمال على غيره، ذلك انطلاقاً من أن الزمن لغة يتقسم إلى ثلاث مراحل، الماضي: كل ما هو سابق على الحال القائم. الحاضر: كل ما هو قائم حالياً. المستقبل: الآتي بعد الحال، أي المستقبل" (المهدي، 2013م: 11 – 12).

    وقد أورد الساعدي أن هناك صور أخرى لمفهوم المستقبل، فعلم المستقبليات أو الدراسات المستقبلية علم يختص بالمحتمل والممكن والمفضل من المستقبل، بجانب الاحتماليات القليلة ذات التأثيرات الكبيرة التي يمكن أن تصاحب حدوثها (الساعدي، 2011م: 2/ 489).

     بينما أشار المهدي إلى تعدد تسميات علم المستقبل؛ عند النقل والترجمة للدلالة على هذا العلم، مثل: استشراف المستقبل، التنبؤ بالمستقبل، دراسات المستقبل، صور المستقبل العربي، بدائل المستقبل، الاستشراف المستقبلي، وغيرها. إلا أن مصطلح استشراف المستقبل يعتبر الأكثر تداولاً في مختلف الأدبيات العربية (المهدي، 2013م: 5 – 6).

الاستشراف لغة:

     (شرف) الشرف العلو والمكان العالي وجبل مشرف أي عال. وأشرف المكان علاه وأشرف عليه اطلع عليه من فوق (الرازي، 1329ه: 342 – 343).

الاستشراف اصطلاحاً:

     "هو التطلع إلى معرفة المستقبل، بناء على استنباط وتحليل معطيات تتعلق بالموضوع الذي يقصد تكوين رؤية مستقبلية عنه، ووضع الخطط الاستراتيجية على ذلك" (بازمول، 2011م: 1/ 127).

 

الدراسات المستقبلية في القرآن والسنة

الدراسات لغة:

     الدراسات جمع دراسة، والدراسة من مادة (درس) قرأهُ وأقبل عليه ليحفظه ويفهمه. ويقال: درس العلمَ والفنَّ. (دَارَسَ) الكتابَ ونحوه مدارسةً، ودِرَاساً: درسه. و- فلاناً: قارَأهُ وذاكَرَه (المعجم الوسيط، بدون تاريخ: 279).

     فالدراسة تعني فهم الشيء وتعاهده واستيعابه.

الدراسات المستقبلية اصطلاحا:

     هي: "جهد علمي مُنظَّم، يسعى إلى تحديد احتمالات وخيارات مختلفة مشروطة لمستقبل قضية أو عدد من القضايا خلال مدة مستقبلة محددة، بأساليب متنوعة، اعتماداً على دراسات عن الحاضر والماضي، وتارة بابتكار أفكار جديدة منقطعة الصلة عنهما" (المديفر، 1427هـ: 29).

الاستشراف في الاصطلاح العصري:

     هو التطلع إلى معرفة المستقبل، بناء على استنباط وتحليل معطيات تتعلق بالموضوع الذي يقصد تكوين رؤية مستقبلية عنه، ووضع الخطط والاستراتيجيات على ذلك.

والمعطيات التي يبنى عليها الاستشراف:

      أولاً: معطيات عادية: من شؤون حياة الناس، ويقصد بها ما جرت به العادة، وما كان مبناه على اجتهاد الناس في تدبير شؤون دنياهم، واستقراء الأحداث في الماضي وسير الأمم والأفراد.

      ثانياً: الأمور الغيبية: إما أن تكون من جهة الشرع، ويقصد بها ما أخبرنا به الشرع من أمور ستكون، أو ما أخبرنا به الشرع من أمور السنن الكونية، ويدخل فيها الرؤيا الصالحة. أو تكون من جهة غير الشرع، ويقصد بها ما يبنى على الكهانة والاتصال بمسترقي السمع، وأمور الشعوذة والسحر والنجوم.

وبناءً على ذلك فإن الاستشراف ينقسم إلى قسمين:

      أولاً: الاستشراف المبني على الأمور العادية.

     وهذا لا محظور شرعي فيه، إذ يجتهد الناس في تدبير شؤون حياتهم بناءً على رؤى لهم، بنوها على معطيات واقعية لديهم، وهذا موجود في الوزارات والشركات والأعمال الناجحة من خطط مستقبلية.

     ثانياً: الاستشراف المبني على الأخبار الغيبية. وهو نوعين:

     أ/ الاستشراف المبني على الخبر الغيبي الشرعي: تجده عند بعض أهل العلم، في فهمهم ورؤيتهم وتفسيرهم وتحليلهم للحدث، بل وعند بعض الساسة والمفكرين على مختلف الطوائف والملل. والرؤيا الصالحة تدخل ضمن ذلك.

     ب/ الاستشراف المبني على الخبر الغيبي غير الشرعي: هو ما تجده عن أصحاب الكهانة والسحر والشعوذة، من ذكر أمور ستحدث، وما يذكرونه من الطوالع، وأخبار النجوم. وهذا فيه محظور شرعي، إذ يدعي صاحبه علماً للغيب مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وفيه اعتماد على الكهانة والسحر والشعوذة، وكل ذلك مما حرم الشرع تعاطيه والرجوع إليه.

     والاستشراف المقصود هنا غير استشراف الفتن المنهي عنه شرعاً.

     عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تَشَرَّفَ لها تستشرِفهُ فمن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ به" (الدرر السنية، أخرجه البخاري 3601).

      قال ابن حجر رحمه الله: "قوله: (من تشرف لها) بفتح المثناه والمعجمة وتشديد الراء أي تطلع لها بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها وضبط أيضاً من الشرف ومن الأشراف. قوله: (تستشرفه) أي تهلكه بأن يشرف منها على الهلاك، يقال: استشرفت الشيء علوته وأشرفت عليه يريد من انتصب له ومن أعرض عنها أعرضت عنه وحاصله أن من طلع فيها بشخصه قابلته بشرها ويحتمل أن يكون المراد من خاطر فيها بنفسه أهلكته ونحوه قول القائل: من غالبها غلبته" ( بازمول، 2011م: 127 -129).

الدراسات المستقبلية في القرآن الكريم:

     القرآن الكريم هو مصدر التشريع الأول، وهو كلام الله U الذي جاء فيه أحوال الأمم السابقة، واللاحقة إلى عهد نبيه الأمين r

     والسنن الإلهية من منظور القرآن الكريم تبعث في نفس المؤمن الطمأنينة والرضا، فيبقى المسلم منتظراً لوعد الله تعالى له أن هو أخذ الأسباب وسار على تلك السنن، فيجاريها وينتفع بها ويستفد منها ليقينه بأن الله تعالى لا يخلف وعده.

    والقرآن الكريم يزخر بالآيات التي تتحدث عن الأسباب وضرورة الأخذ بها والتعامل معها لتكون عبرة لأولي الأبصار، ومن هذه الآيات الكريمة:

)إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُل ّشَيْء سَبَبًا[ (الكهف: 84)

) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ[ (البقرة: 22)

     وغير ذلك من الآيات الكثيرة في موضوع الأسباب، وسنة الله تعالى في الأسباب والمسببات تشغل مساحة واسعة وكبيرة بالنسبة للسنن الأخرى، بل إن السنن الأخرى تقوم كلها على سنته تعالى في الأسباب بصورة مباشرة أو غير مباشرة "حتى لتبدو للمتأمل فيها كأنها من مفردات سنة الله في الأسباب وليست سننا مستقلة، وكل السنن تبقى مع ذلك قائمة على سنة الله تعالى في الأسباب ومعتمدة عليها (خصاونة وقزق، 2008م: 220).

     القرآن الكريم يعتبر من الملمحات للاستشراف وليس استشراف؛ لأن الاستشراف يكون به نسبة خطأ والقرآن كامل، فقط يستفاد منه في التلميحات والإشارات، ويمكن الانطلاق من الآيات )قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ[ (العنكبوت: 20) فالنصوص في حد ذاتها لا تمثل الاستشراف للمستقبل.

الدراسات المستقبلية في السنة النبوية:

     تعتبر السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع، وقد تحدث النبي r لأمته بشأن المستقبل في مواضع كثيرة، فبين ما ينتظر أمته من غدٍ مشرق ومستقبل زاهٍ، وتفوق في مجالات الحياة، والسياسة، والعسكرية، والاقتصاد، وغيرها.

      كما كشف r ما سنتعرض له من مصائب وحروب وفتن، وغيرها. وهذا من شأنه أن يغرس في نفوس الأمة الاستعداد لاستقبال ما هو جديد من الأحداث والمواقف (الفيضي، 2004م: 4/ 256).

     عن عبدالله بن عمرو بن العاص t قال: "بينا نحن مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ ، إذ نَزَلْنَا منزلًا ، فمِنَّا مَن يَضْرِبُ خباءَه ، ومِنَّا مَن يَنْتَضَلُ ، ومِنَّا من هو في جَشْرَتِه ، إذ نادى منادي النبيِّ صلى الله عليه وسلم : الصلاةُ جامعةٌ . فاجتَمَعْنا فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم فخَطَبَنَا فقال : إنه لم يَكُنْ نبيٌّ قبلي إلا كان حقًا عليه ، أن يدلَ أمتَه على ما يَعْلَمَه خيرًا لهم ، ويُنْذِرَهم ما يَعْلَمُه شرًا لهم ، وإن أمتَكم هذه جُعِلَتْ عافيتُها في أولِها ، وإن آخرَها سيُصِيبُهم بلاءٌ وأمورٌ يُنْكِرُونها ، تَجِيءُ فتنٌ فيُدَقِّقُ بعضُها لبعضٍ ، فتَجِيءُ الفتنةُ فيقولُ المؤمنُ : هذه مُهْلِكَتي . ثم تَنْكَشِفُ ، ثم تجيءُ فيقولُ : هذه مُهْلِكَتي . ثم تَنْكَشِفُ ، فمَن أحبَّ منكم أن يُزَحْزَحَ عن النارِ ، ويُدْخَلَ الجنةَ فلتُدْرِكْه موتَتُه ، وهو مؤمنٌ باللهِ واليومِ الآخرِ ، وليَأْتِ إلى الناسِ ما يُحِبُّ أن يُؤْتَى إليه ، ومَن بايع إمامًا فأعطاه صفقةَ يدِه ، وثمرةَ قلبِه ، فلْيُطِعْه ما استطاع ، فإن جاء أحدٌ يُنازِعُه فاضربوا رقبةَ الآخرِ" (الدرر السنية، صحيح النسائي: 4202).

     عن حذيفة بن اليمان t قال: قام فينا رسول الله r مقاماً، ما ترك شيئاً في مقامه ذلك إلى قيام الساعة، إلا حدث به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه" (الدرر السنية، صحيح مسلم: 2891).

     وعنه أيضاً t قال: "والله ما أدري؛ أنسي أصحابي أو تناسوا؟! والله ما ترك رسول الله r من قائدِ فتنةٍ إلى أن تنقضي الدنيا؛ يبلغُ من معه ثلاث مئةٍ، فصاعداً؛ إلا قد سماه لنا باسمه، واسم أبيه واسم قبيلته" (الدرر السنية، الألباني: 5320).

     وعن عمرو بن أخطب الأنصاري t قال: "صلى بنا رسول الله r الفجر وصعد المنبر حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حصرت العصر فنزل فصلى ثم صعد فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا" (الدرر السنية، صحيح ابن حبان: 6638).

     عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر" (الدرر السنية، صحيح البخاري: 2928).

     وحدث ذلك هذا القتال في القرن السابع الهجري، عندما اجتاح المغول والتتار البلاد الإسلامية، وعاثوا فيها فساداً، وقد كانوا بتلك الصفات.

     حيث قال الإمام النووي رحمه الله الذي عاش في تلك الفترة: "وقد وجدوا قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها النبي r في زماننا وقاتلهم المسلمون مرات" (الألوكة، 2014م).

     ولا إشكال في أنّ في الدراسات المستقبليّة حماية للأمة، وحسن تدبير لها، وإعداد للعدة على مواجهة ما تحتاجه، وكل واحد منها واجب بنفسه، ولا يتم على أحسن حال إلا بمثل هذه الدراسات.

     وإذا علمنا أنّ  )الأمة مجمعة على إطلاق القول بوجوب تحصيل ما أوجبه الشارع، وتحصيله إنّما هو بتعاطي الأمور الممكِّنةِ من الإتيان به( اتَّضح جليّاً وجوب تحصيل هذه الدراسات (الجبير، 1429هـ: 56 -57).

     قال ابن تيمية رحمه الله: "يجب السعي في إصلاح الأحوال، حتى يكمل في الناس ما لا بد لهم منه من أمور الولايات والأمارات ونحوها؛ كما يجب على المعسر السعي في وفاء دينه، وإن كان في الحال لا يطلب منه إلا ما يقدر عليه، وكما يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" (مجموع الفتاوى: 28 / 259).

محاور المستقبل في الحديث النبوي الشريف:

1/ أخبار المستقبل في شأن ارتفاع الأمة الإسلامية واستفاضة المال والخير فيها، واستتباب الأمن.

2/ أخبار المستقبل في انخفاض الأمة، وتردي أحوالها، والتداعي عليها، وكثرة الفتن فيها.

3/ أخبار المستقبل في شأن الفتوحات التي تكون على أيدي الأمة والحروب التي تخوضها مع أهل الكفر.

4/ أخبار المستقبل في اختلال المقاييس الدينية والخلقية والاجتماعية، وضياع الحقوق، وشيوع الجور والظلم.

5/ أخبار المستقبل في اختلال بعض نواميس الكون والحياة، على سبيل النفع أو الضر (الفيضي، 2004م: 4/ 256).

ضوابط استشراف المستقبل

     الضوابط عند علماء اللغة جمع ضابط: وهو اسم فاعل من ضبط والضبطُ: هو لزومُ الشيءِ وحبسُهُ، ضبطَ عليهِ وضبطهُ يضبُطُ ضبطاً وَضَبَاطَةً، وقال الليثُ: الضبطُ لزومُ شيءٍ لا يفارقهُ في كل شيء، وضبط الشيءِ حفظُهُ بالحزمِ (ابن منظور، بدون تاريخ: 4/ 2549).

ويقصد بضوابط استشراف المستقبل، المحددات والمعايير التي تسير وفقها الدراسات المستقبلية.

     وبما أن علم المستقبل ودراسته من العلوم الحديثة التي صيغت بأسلوب غربي، وترجم بعض منها للغة العربية، فلا بد لهذا العلم أن يصاغ بما يناسب هوية الأمة الإسلامية وفق الضوابط الشرعية، وقد أشار الجبير إلى أبرز الضوابط وهي: (الجبير، 1429هـ: 63 -73).

أولاً/ ضابط القرآن الكريم والسنة المطهرة:

     الكتاب والسنة هما المصدران الأساسيان للدين الإسلامي، فالواجب على المسلمين أن يعودوا إليهما لما استحدث من أمور، كما قال تعالى: ) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ[  (النساء: 59)

     ومعنى الانضباط بهما؛ أن تتسق معطيات الدراسة مع ما تطلبه الأدلة الشرعية. ومن أمثلتها ضرورة قيام الأمة بدورها في نشر عقيدة التوحيد ومبادئ الحق والفضيلة، وبنشر العلم.

ثانياً/ ملاحظة السنن الكونية:

قال أمرنا الله U  بالنظر والتفكر في مسيرة الماضين، فهذا التنبيه دليل على وجود السنن الكونية، قال U: ) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ [ (الروم : 42)

ثالثاً/ اختيار وحدات تحليل تمثل التوجه الإسلامي:

 أن تكون وحدات تحليل وأنماط وأطر الدراسات المستقبلية نابعة من مصادر التشريع الإسلامي، محققة لرؤاها وتوجهاتها، ملامسة للواقع وما يؤثر فيها؛ لتكون دراسات نافعة للأمة الإسلامية.

رابعاً/ أن تكون مبنية على قرائن ودلائل يعتمد عليها:

     مراعاة إنتاجية العلم، وخصائص الأشياء، وتفاوت القوة والقدرة بينها، ومثال ذلك: النظر في الدراسات السابقة، ومراعاة الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والصحية، والظواهر الموجودة في الواقع.

خامساً/ فهم الواقع:

من خلال التثبت الصحيح للواقع وفهمه والتمحيص الدقيق له، ثم تلافي النقاط السلبية واستثمار الجوانب الايجابية.

التأصيل عند السلف

                                               تم بحمد الله،،،

المصادر والمراجع

// القرآن الكريم

1/ معجم مقاييس اللغة – أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا – دار الفكر – 1399هـ  ص ص109، 110

2/ لسان العرب – ابن منظور – دار المعارف – القاهرة - المجلد الرابع – جزء 31 – ص 3083

3/ كتاب التعريفات – علي محمد الجرجاني – تحقيق إبراهيم الأبياري – دار الريان للتراث – بدون تاريخ - ص 199

4/ كتاب العلم – محمد بن صالح العثيمين – نور الهدى – الشاملة ص 9

5/ معجم اللغة العربية العاصرة – أحمد مختار عمر – عالم الكتب – ط1 – 1429هـ - ج 3 - ص 1769

6/ أساليب الدراسات المستقبلية – د. طارق عامر – اليازوري  – 2008م – ص 18

7/ ملتقى الرؤى المستقبلية العربية والشراكات الدولية- ورقة عمل – د. مالك عبدالله المهدي - جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية – 2013م ص ص 11، 12

8/ فلسفة المستقبل في القرآن الكريم – د. رحيم محمد الساعدي – مجلة كلية التربية – العدد 2011 – المجلد الثاني ص 489

9/ مختار الصحاح – محمد بن أبي بكر الرازي – ط 1 – المطبعة الكلية – مصر – 1329هـ - ص ص 342، 343

10/ بحث محكم بعنوان الاستشراف (الرؤية المستقبلية) – د. محمد عمر بازمول – مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية – السعودية – 2011م – عدد 53 جزء 1 - ص127

11/ المعجم الوسيط – مجمع اللغة العربية – مكتبة الشروق – ط4 - مصر – 1425هـ - ص 279

12/ الدراسات المستقبلية وأهميتها للدعوة الإسلامية – بحث ماجستير- عبدالله محمد المديفر – جامعة طيبة – 1427هـ ص 29

13/ من معالم المنهجية الإسلامية للدراسات المستقبلية – د. هاني عبدالله الجبير – مجلة البيان – الرياض – 1429هـ ص ص 63 - 73

14/ استشراف المستقبل في ضوء الحديث النبوي الشريف – محمد بشار الفيضي – مؤتة للبحوث والدراسات – المجلد 19 – عدد 4

15/ السنن الإلهية في القرآن الكريم ودورها في استشراف المستقبل – عماد عبدالكريم خصاونة، وخضر إبراهيم قزق – المنارة – المجلد 115 – العدد 2– 2009م

16/ موقع إلكتروني (موقع المعاني)

https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84/          تاريخ الزيارة: يوم الجمعة16 / 12 / 2022م -  1.00 ص

17/ موقع الدرر السنية https://dorar.net/hadith/sharh/61343      الدخول 10 / 2 /2023م

18/ موقع الألوكة https://2u.pw/etEB5C  الدخول 10 / 2 / 2023م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق