الثلاثاء، 7 مارس 2023

مفاهيم مستقبلية للتعليم - الحراك الاجتماعي- التغير الاجتماعي- تكافؤ الفرص

 

المفاهيم المستقبلية للتعليم

الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على خير خلقه  r وبعد:

      تشهد المجتمعات الإنسانية تغيرات وتطورات مختلفة في المجالات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها. وهذه التغيرات تؤدي إلى الحراك الاجتماعي لأفراد المجتمع، يتحرك ويتنقل أفراده وجماعاته من مراكز اجتماعية إلى مراكز اجتماعية آخر (الشافعي، 2020م: 287)

مفهوم الحراك الاجتماعي

     الحراك الاجتماعي هو: عبارة عن إيجاد بيئة محفزة للعمل تتيح للمواطن تنمية قدراته واستعداداته، وتكون فيه الفرص على أساس القدرات والمواهب والجهد الذاتي للحصول على مكانة وظيفية واجتماعية راقية داخل المجتمع، ومن ثم يصبح المجتمع مجالاً خصباً لتنافس أعضائه (الطيب، د ت: 4).

     الحراك الاجتماعي هو: "انتقال الفرد أو الجماعة من مستوى معين أو طبقة اجتماعية معينة إلى مستوى أو طبقة اجتماعية أخرى في التسلسل الهرمي للبناء الاجتماعي أو داخل المستوى أو الطبقة الاجتماعية الواحدة، وهو حركة الفرد أو الجماعة من طبقة أو مستوى اجتماعي إلى طبقة أو مستوى اجتماعي آخر، وقد تكوت هذه الحركة إلى أعلى أو أدنى في التدرج الطبقي (الشخيبي، 2002م: 189)

      يتضح مما سبق أن الحراك الاجتماعي هو ذلك الانتقال والتغير للأفراد من حالٍ إلى حال، إما في المستوى أو الطبقة، وهذا التغير يكون بأشكال مختلفة.

أشكال الحراك الاجتماعي:

     ينظر البعض إلى أن الحراك الاجتماعي من حيث الشمولية والمحدودية.

أ / الحراك المطلق:

     هو انتقال جماعات من الأفراد من طبقة إلى أخرى أو من شريحة إلى أخرى، والذي يحدث على أثر تغير البناء المهني أو الصناعي للمجتمع، الذي قد يؤدي إلى تحول أعداد كبيرة من السكان من الأعمال اليدوية إلى الأعمال الإدارية والخدمية.       

 ب/ الحراك النسبي:

      وهو الذي يحدث بين الطبقات عبر انتقال أفراد من طبقة إلى أخرى دون حدوث تغيرات جذرية في بنية الحياة الاقتصادية أو الاجتماعية، ولا يرتبط الحراك الاجتماعي في الكثير من الأحيان بصور تحقيق العدالة في مجتمع ديمقراطي مفتوح (البداينة وآخرون، 1996م: 211).

     كما أن هناك من يقسم الحراك الاجتماعي حسب اتجاه الحركة.

أ / الحراك الاجتماعي الصاعد (الرأسي):

     انتقال الفرد من مستوى طبقي أدنى إلى مستوى طبقي أعلى، أو من مستوى اجتماعي اقتصادي إلى مستوى اجتماعي اقتصادي أعلى، ويصاحب هذا الانتقال تغيراً في الهيبة الاجتماعية أو المستوى المعيشي أو ممارسة السلطة أو الطبقة الاجتماعية بشكل عام.

ب / الحراك الاجتماعي الهابط (الرأسي):

    يشير إلى هبوط الفرد من مستوى طبقي أعلى إلى مستوى طبقي أدنى، كأن ينتقل من طبقة عليا إلى طبقة متوسطة أو طبقة سفلى، عند حدوث تغيرات في المجتمع أو الحياة العامة أو تدهور اقتصادي أو اجتماعي.

ج / الحراك الاجتماعي الأفقي:

      هنا يتحرك الفرد من موقع إلى آخر ولكن داخل نفس الطبقة أو حركة الأفراد والجماعات من وضع اجتماعي إلى آخر مع عدم وجود اختلاف في الدرجات، كأن يعمل الفرد في مجال الكهرباء ثم ينتقل للعمل في مجال الميكانيكا.

     وهناك حراك اجتماعي وفقاً لحدوثه على المدى الزمني.

أ/ الحراك الاجتماعي داخل الجيل الواحد:

     انتقال الفرد من وضع اجتماعي إلى آخر سواء لأعلى أو لأسفل أو بشكل أفقي خلال حياته، ويعود ذلك لمكانة الفرد اجتماعياً واقتصادياً ومهنياً وتعليماً وغيرها.

ب/ الحراك الاجتماعي بين الأجيال:

      مقارنة الوضع الاجتماعي للآباء بالوضع الاجتماعي للأبناء أو الأحفاد، من حيث الوظيفة والدخل والمكانة الاجتماعية (محمد، د ت:6- 8).

الأسس العامة للحراك الاجتماعي:

       1/ يندرج وجود مجتمع فيه الطبقات مغلقة اغلاقاً محكماً أو لا يوجد فيها حراك اقتصادي وسكاني ومهني.

2/ لا يمكن أن يوجد مجتمع يكون فيه الحراك الرأسي حراً بصورة مطلقة، ويكون الحراك من طبقة إلى أخرى دون عقبات.

3/ يختلف عمق وشمولية الحراك الاجتماعي الرأسي من مجتمع إلى آخر.

4/ يختلف عمق وشمولية الحراك الاجتماعي الرأسي في المجتمع نفسه من وقت لآخر.

أنماط الحراك الاجتماعي:

1/ الحراك المهني: يقصد به تغيير الفرد لمهنة أسرته، وتبديل الأبناء لمهن آبائهم، وتوفر فرص مهنية تبعاً للميول والاستعداد، مما يتيح حراك اجتماعي واقتصادي مختلف.

2/ الحراك المكاني: الأكثر انتشاراً في المجتمع الحضري الصناعي، حيث ينتقل الأفراد إلى أماكن العمل.

3/ الحراك الاقتصادي: تغيير مراكز الأبناء الاقتصادية عن مراكز الآباء والأجداد، إذا تفوق الأبناء في وظائفهم وأعمالهم سوف ينتقلون إلى مراتب أفضل.

4/ الحراك الفكري: يقصد به ارتباط الفرد بالقيم والأفكار المستحدثة المختلفة، وقد ساعدت وسائل الاتصال مثل الراديو والتلفزيون والصحف والكتب والمجلات وازياد الاختراعات الحديثة وغيرها في عرض أفكار فكرية جديدة قد تغير من التقاليد المتوارثة.

عوامل الحراك الاجتماعي:

1/ الهجرة. وقد تكون الهجرة من بلد إلى آخر أو من قرية إلى مدينة، لتحسين الأوضاع الاقتصادية، مما يؤدي إلى الحراك الاجتماعي.

2/ التعليم. عندما يحصل الفرد على التعليم تتاح له فرص الانتقال إلى مستوى اجتماعي أفضل، ووظيفة ذات مكانة اجتماعية مرموقة، مما يسهم في الحراك الاجتماعي.

3/ التحولات السياسية. تؤثر التحولات السياسية بمختلف أشكالها في الحراك الاجتماعي. (البداينة وآخرون، 1996م: 255-258)

التعليم والحراك الاجتماعي:

     مهمة التعليم الأساسية هي ضمان التطور الكامل لشخصية الإنسان ومواطنته، إذ يوفر المهارات العامة الأساسية للعمل، ويكفل التعلم المتواصل الحفاظ على مهارات الفرد وتخصصاته وتحسينها مع تغير متطلبات العمل والتكنولوجيا والمهارات ويؤدي إلى زيادة الإنتاجية والدخل.

    حيث أكدت الدراسات أن التعليم هو حجر الزاوية في الحراك الاجتماعي، ولكي يتمكن التعليم من أداء دوره في عملية الحراك الاجتماعي، يتطلب:

1/ إتاحة الفرص التعليمية المتكافئة للجميع، ليتحقق طموح الأفراد حسب القدرات والإمكانات بصرف النظر عن الأوضاع المادية للفرد وأسرته.

2/  إعانة الخدمات التعليمية للطلاب الفقراء وأصحاب الإعاقات المتنوعة.

3/ موافقة مخرجات التعليم لمتطلبات المجتمع.

4/ توفر البدائل التعليمية لجميع أفراد المجتمع.

5/ توحيد المناهج الدراسية للجميع، مراعية لظروفهم المختلفة. (محمد، د ت:10)

وقد أورد الأهدل في دراسته حول التعليم والحراك الاجتماعي للمرحلة الجامعية ما يلي:

 1/ أي إصلاح تعليمي لتدعيم دوره في عملية الحراك الاجتماعي لابد أن يسبقه أو يواكبه إصلاح اجتماعي واقتصادي وسياسي بعيد المدى، وما لم يتحقق ذلك فإن الفوارق والتفاوتات الاجتماعية سوف تفرض نفسها على النظم التعليمية.

2/ يُعدَّ التعليم الجامعي السبيل الأمثل للتنمية البشرية والارتقاء بالفرد اجتماعياً وسياسياً وثقافياً واقتصادياً.

3/ هناك تأثير متبادل بين التعليم والمتغيرات المجتمعية، ويبدو هذا التأثير واضحاً في التعليم الجامعي باعتباره قمة السلم والهرم التعليمي.

4/ هناك تأثير متبادل بين التعليم والمتغيرات المجتمعية، ويبدو هذا التأثير واضحاً في التعليم الجامعي باعتباره قمة السلم والهرم التعليمي (الأهدل، 2006م: 21).

قياس الحراك الاجتماعي. هناك أسلوبان أساسيان في قياس الحراك الاجتماعي:

     أولاً- أسلوب القياس الموضوعي: ويعتمد هذا الأسلوب على مؤشرات موضوعية؛ كالتَّعليم والمهنة، والدَّخل، ومن أشهر الذين وضعوا مقياسًا لـ"الحِرَاك الاجتماعي" عالم الاجتماع "لويد وارنر" - أستاذ علم الاجتماع بجامعة شيكاغو - ويتكَوَّن مقياسُه من ستِّ خصائص؛ وهي: الثَّروة، والدَّخل، والمِهْنة، والتَّعليم، ونوع السَّكَن، ومصدر الدَّخْل.

وهناك مَيْل لدى بعضِ دارسي "الحِرَاك الاجتماعي" إلى اعتبار المهنة وحدها دليلاً كافيًا للمُستوى الاجتماعي الاقتصادي، ومَحَكًّا للحِرَاك الاجتماعي؛ بل إنَّ الكثيرَ منهم أصبحوا يستخدمون الحِرَاك المهني والحراك الاجتماعي بنفس المعنى.

     ثانياً – أسلوب التقدير الذاتي: ويعتمد هذا الأُسْلُوب في قياس الحِرَاك على تقدير المَفْحُوص نفسه وتقييمه لمكانته الاجتماعيَّة وانتمائه الطبقي، ومنَ الطَّبيعي أنْ يتعَرَّض هذا الأسلوب إلى كل ما يُواجه التَّقديرات الذَّاتية مِنْ تحيُّز أو مبالغة في التَّقدير.

وسواء استخدمنا القياس الموضوعي أو التَّقدير الذاتي؛ فإنَّ الباحثينَ يقيسون الحِرَاك الاجتماعي بين الأجيال بمعنى قياس مستوى الفرد بالنسبة لأسرته، حيث يقارن وضع الابن مع وضع الأب وأحيانًا الجد - إن أمكن ذلك - وفي حالات أخرى يقيس الباحثون الحِرَاك داخل الجيل الواحد؛ بمعنى قياس وضع الفرد بالنسبة لنفسه في مراحل مختلفة من نموه أو مراحل حياته (شوقي، 2008م:الألوكة).

التغير الاجتماعي:

     تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية، سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة خلال فترة زمنية محددة.

     وحيث أن النظم في المجتمع مترابطة ومتداخلة ومتكاملة بنائياً ووظيفياً فإن أي تغير يحدث في ظاهرة لا بد وأن يؤدي الى سلسلة من التغيرات الفرعية التي تصيب معظم جوانب الحياة بدرجات متفاوتة.

    ويتطلب التغير في ميدان الحياة الاجتماعية ضرورة تكيف الأفراد لمقتضياته ووفقاً لما يتطلبه من مستحدثات، لأنهم اذا وقفوا جامدين غلبوا على أمرهم والتمسوا الفرار من ضغوط البيئة، ومعنى هذا أن الأفراد يجب أن يكونوا أدوات حية في مرونة لدواعي التغير حتى يمكنهم مسايرة ركب الحضارة وعجلة التقدم.

    والتغير في أبسط صوره ينحصر في أن عدداً كبيرا من الأشخاص يؤدون جهوداً تختلف عن تلك التي كان آباوهم يؤدونها في وقت معين، وما هو في حد ذاته عملية مكملة لواحدة أو أكثر من العمليات الاجتماعية السائدة في المجتمع.

     وظاهرة التغير الاجتماعي قد تحصل في فترة زمنية قصيرة وبشكل سريع أو قد تستغرق كل التاريخ الحضاري للإنسان، فعامل الزمن هذا جدير بالاهتمام.

     التغير الاجتماعي ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون، والمجتمعات الإنسانية بجميع ظواهرها خاضعة للتغير المستمر، إلا أن هناك ظواهر أسرع في تغيرها وتطورها من الأخرى أما الجمود نفسه في أية ناحية من نواحي الحياة الإنسانية فأمر لا يمكن التسليم به أو الموافقة عليه، إذ يكفي أن ننظر إلى المجتمعات الإنسانية المختلفة لنرى مدى التغير الذي أصابها عبر حقب التاريخ (استيتية، 2008م: 19- 21).

الفرق بين الحراك الاجتماعي والتغير الاجتماعي:

التغير هو الاختلاف بين الحالتين القديمة والحالة الجديدة أو اختلاف الشيء عما كان عليه خلال فترة محددة من الزمن (بداية ونهاية)، وحينما تضاف كلمة (الاجتماعي) يقصد به: التغير الذي يحدث داخل المجتمع أو التبدل والتحول الذي يطرأ على جوانب المجتمع أو على البناء الاجتماعي خلال فترة من الزمن.

ويعتبر التغير الاجتماعي في ثقافة المجتمع نوعا من التغير الاجتماعي، سواء كان ذلك التغير في جانبيي الثقافة المادي أو الفكري. ويشمل التغير الاجتماعي العديد من جوانب المجتمع: كأنماط العلاقات بين الأفراد والجماعات واختلاف الوظائف والأدوار الاجتماعية وفي الأنظمة والقيم والعادات وغيرها. ويجمع العديد من العلماء على أن التغير الاجتماعي هو:التحول الذي يصيب البناء الاجتماعي في كله أو في أي من أجزائه في الأدوار والنظم والوظائف الاجتماعية أو في الوحدات المكونة له في فترة محددة من الزمن ويمكن ملاحظته. ويحدث التغير الاجتماعي نتيجة لعوامل داخلية أو عوامل خارجية، أو كلاهما.

يعتبر التغير الاجتماعي ظاهرة اجتماعية مستمرة وملازمة للمجتمعات منذ القدم، سواء كانت تلك المجتمعات رعوية أم زراعية، نامية أو متقدمة، رأسمالية أم اشتراكية...إلخ

والتغير الاجتماعي الذي يحدث في المجتمعات اليوم لم يعد كله دون توجيه واع، إنما هو تغير مقصود وإداري يتم وفق خطط مدروسة، بل وتستحدث له مناهج ووسائل من أجل تحقيق التنمية بوجه عام.

كما أن المجتمع بطبيعته متغير، حيث يأخذ من الجيل السابق جوانب ثقافية ويضيف إليها تمشيا مع واقعه الاجتماعي، ومتطلباته المستجدة. ولكل تغير اجتماعي (مدى، سرعة واتجاها) وبداية ونهاية، غير أن كل ذلك يتوقف على طبيعة المجتمع.

 والفرق بين التغير و الحراك الاجتماعي أن التغير يصيب ويمس البناء الاجتماعي في كليته أو في أجزائه، في الوظائف والأدوار الاجتماعية، بينما الحراك الاجتماعي هو انتقال الأفراد والجماعات والطبقات داخل المجال الاجتماعي. فهو انتقال من وضع الى وضع مغاير بمستوى مماثل (قدوسي، د. ت)

التعليم وتكافؤ الفرص:

     عرفه مكناسي أنه:" حصول كل فرد على فرص متكافئة مع أعضاء المجتمع الآخرين في الالتحاق بالتعليم المتاح في مجتمعه دون أن يكون هناك اختلاف في نوع الخدمة التعليمية المقدمة حتى يتمكن من أن يستفيد الاستفادة الحقيقية من برامج التعليم التي تقدمها الدولة" (مكناسي، 2018م: 89)

     وعرفته حباكة أنه: "السماح لجميع أبناء المجتمع دون تمييز على أساس العرق، أو الجنس، أو النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالاستفادة الكاملة من فرص التعليم المتوفرة بمرحلة التعليم الأساسي الحكومي؛ وفقاً لقدراتهم واهتماماتهم، واحتياجاتهم، دون أي عقبات تحول دون ذلك؛ تحقيقاً للتنمية المستدامة الشاملة للبلاد" (حباكة، 2022م: 8)

     بناءً على ذلك يتضح أن مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم يقصد به: "أن التعليم حق للجميع، مهما كان أصله وعرقه ومكانته الاجتماعية".

    كما أن تكافؤ الفرص له عدة مرادفات في العلوم التربوية والاجتماعية، وهي: إلزامية التعليم، ومجانية التعليم، وديمقراطية التعليم، والتعليم المستمر.

مظاهر تكافؤ الفرص التعليمية في التراث الإسلامي:

      لقد أكد الإسلام على مبدأ العدالة والمساواة وجعلها من العقائد الأساسية التي يجب أن يدين بها المسلم فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح وهو ما يتطلب تحقيق ضرورة العلم، والمعرفة فالعلم والعمل الصالح هو المميز بين فرد وآخر.

      وقد أكد الإسلام على ضرورة العلم والتعليم باعتباره فريضة إلهية وضرورة إنسانية فالعلم النافع هو الأساس في بناء الإنسان الصالح واعتبر الإسلام أن الإنفاق على العلم وطلبه أحد وجوه البر والمعروف، فقد تسابق كل من يستطيع على توفير مقوماته بالإضافة إلى السعي في طلبه كي يتيح فرص التعليم للآخرين غير القادرين مثل الأوقاف التي يخصصها أصحابها للإنفاق منها على إقامة المؤسسات التعليمية ودفع أجور المعلمين والإنفاق منها على الطلاب أنفسهم. وفي المسكن والملبس والمأكل والمشرب كما أعطى المجتمع كله اهتمامًا لطلاب العلم كل الرعاية والتقدير. وهذا ما يعتبر تحقيق لتكافؤ الفرص التعليمية في الإسلام حيث أن الفقر لم يكن عائق أمام الراغب في العلم (جبريل، موقع مقال: 2022م).

      وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروعَ مثلٍ في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في حقِّ التعلُّم،  وفي حرصه على تعليم المرأة بما قام به في خطبة العيد كما جاء في حديث البخاري عن  جابر بن عبد الله قال: (قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء، فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء الصدقة).

      بل خصص لهن يوما يلتقي بهن بعيدا عن الرجال، يحدِّثهن ويعظهن، ويبيِّن لهن أمور الدين وأحكامه وكل ما يتعلق بشؤونهن مما ينفردن به عن الرجال بمقتضى تكوينهن الجسدي والنفسي. روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه جاءت امرأة إلى رسول الله r فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: (اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا)، فاجتمعن فأتاهنَّ رسول الله r فعلمهن مما علمه الله. ثم قال: (ما منكنَّ امرأة تقدم بين يديها من ولَدها ثلاثة إلا كان لها حجاباً من النار). فقالت امرأة منهن: يا رسول الله، اثنين؟ قال: (فأعادتها مرتين، ثم قال: واثنين، واثنين، واثنين) (أبوري، موقع الرابطة المحمدية للعلماء:2020م).

فوائد مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية:

1/ يساعد على تنمية المجتمع و تقوية العلاقات بين أفراده ، و يقلل من النزاعات و الخلافات التي تنتج عن الشعور بفقدان الحقوق الشرعية للأفراد و غياب العدالة و المساوة فيما بينهم.

2/ إن العمل على توفير فرص متكافئة بين الأفراد يساعد على الإبداع و على إبراز المواهب التي من شأنها أن تدفع المجتمع للأمام و أن تعمل على تقدمه و على تطويره.

3/ ونفس الأمر ينطبق على التعليم فعند توفر فرص تعليم متكافئة فإن ذلك يدفع الطالب لتميز و الإبداع في دراسته لأن سيضمن وجود مقاعد دراسية جامعية له يحصل عليها بمجهوده كما بالنسبة لغيره من الطلاب ، لأنه سيشعر أن أحداً لن يأخذ مقعده الدراسية و بالتالي حقه في التعليم العادل بناءً على المحسوبية و بناءً على التمييز بين الأفراد.

4/ أن يحصل جميع ابناء المجتمع الواحد على فرص متكافئة للالتحاق في التعليم والاستفادة من خدماته والاستمرار فيه.

5/ أن تقدم الحكومة الوطنية خدماتها التعليمية لكل المناطق التي تدخل تحت سيادتها.

6/ أن تقوم المدرسة كمؤسسة تربوية بدورها في تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية بتعزيز المعلم والمدير لذلك.

7/ أن تتم عملية اختبار الطلاب في جميع المراحل بطريقة حيادية موضوعية بعيدة عن التحيزات.

أركان مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية:

1/ التكافؤ في القبول والالتحاق.

2/ التكافؤ في ظروف التعليم الداخلية أو ما يطلق عليه عدالة المعاملة؛ إذ قد يعدل بين الطلاب في القبول ثم تميز بينهم بمعاملة بعضهم معاملة خاصة بسبب الفروق الاجتماعية أو المراكز الإدارية أو العقائد الدينية أو الاختلافات الحزبية وهكذا.

3/ التكافؤ في الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع: ويقصد به أن يكون هناك تكافؤ أو تقارب بين الأفراد في الفرص الاقتصادية والاجتماعية لهم ولو بمقدار وبالحد الذي لا يسمح بضياع فرص التعليم على أحد أو تحديدها أو التأثير فيه بسوء.

4/ العدالة أو التكافؤ في فرص العمل بعد التخرج (مدونة المدني، 2018م).

تكافؤ التعليم يتمثل في التالي:

1/ احترام إنسانية الفرد وتأكيد أهميته وكرامته، واحترام أدميته بقطع النظر عن جنسيته ولونه ومركزه الاجتماعي والاقتصادي.

2/ تساوي جميع الأفراد في الحقوق والواجبات وضرورة تكافؤ الفرص أمام جميع المواطنون في كافة المجالات ،ومع العلم أن تكافؤ الفرص لا يعني تكوين أنماط متساوية من الأفراد بل يعني أن تتاح لكل فرد الفرصة التي تتماشى مع قدراته وإمكاناته.

3/ الإيمان بقيمة التربية والتعليم من أجل تقدم المجتمع ونهضته، وزيادة الوعي الديمقراطي فيه وإحداث التغير المرغوب وفي تلبية احتياجاته من الطاقات البشرية المدربة وفي إعداد أفراده لأدوارهم ومسؤولياتهم الاجتماعية فالتعلم في المنظور الديمقراطي هو مفتاح التغير وأداته، وهو حق وواجب في الوقت نفسه على كل فرد ولا يمكن للديمقراطية أن تنتج أو تسود في مجتمع يسوده الجهل والأمية.

4/ تحقيق التوازن عند التوسع في إنشاء المؤسسات التربوية بين المناطق الريفية والحضرية لمعالجة اختلال في النظام التربوي بالمناطق الريفية.

5/ عدم اقتصار على حق كل فرد في التعليم لأنه يحمل في طياته أحيانا معنى عدم تكافؤ الفرص التعليمية فقط لوحظ أحيانا أن كثيرا من الأفراد يحرمون من هذا الحق أو يتسربون أو يرسبون بسبب عوامل اقتصادية واجتماعية.  (مكناسي، 2018م: 90)

مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية في سياسات القبول:

       هي إزالة العقبات الرسمية وغير الرسمية للدخول إلى مدارس التعليم الأساسي الحكومية.

        1/ المساواة في القبول والالتحاق.

       2/ المساواة في المعاملة.

        3/ المساواة في المخرجات (التخرج(.

        4/ المساواة في النتائج.

مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية لتحقيق المساواة بين الجنسين:

     هي إتاحة فرص تعليمية متساوية تناسب كل من الفتيان والفتيات في مرحلة التعليم الأساسي (حباكة، 2022م: 30).

وقد أشار العباد إلى أن من الوسائل والأساليب التي من الممكن أن تعتمد عليها السياسة التعليمية العامة لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية هي:

1/ مجانية التعليم.

2/ التعليم الإلزامي.

3/ التقويم الموضوعي لأداء الطلاب.

4/ المساواة في معاملة الطلاب في المدرسة.

5/ تنوع التعليم الثانوي.

6/ فتح أبواب الجامعات أمام جميع أبناء المجتمع (العباد، د ت: 29)

هناك فريقان في تكافؤ الفرص:

1/ يتم توزيعها وفق معايير جدارة الفرد.

2/ يؤكد على أن يتم ذلك على معيار الحاجة، فيتم تكافؤ الفرص التعليمية وفقًا لحاجة الفرد إليها.

موقف النظام التعليمي من مبدأ تحقيق الفرص التعليم:

يحدد وفق ثلاث اتجاهات:

أولاً: إن النظام التعليمي يلعب دور أساسي في تحقيق الفرص التعليمية (حيث تعطي المدرسة تكافؤ الفرص لدى الطلاب).

ثانياً: النظام التعليمي يلعب دور ثانوي في تحقيق مبدئ الفرص التعليمية ، حيث توجد عوامل أخرى تشارك النظام التعليمي في تحقيق الفرص التعليمية قبل المدرسة مثل: الأسرة، وما بعد المدرسة مثل: فرص العمل.

ثالثاً: النظام التعليمي لا يحقق فرص التعليم وذلك لما يوجد في الأنظمة التعليمية من أنظمة تحقق الطبقية (مدونة المدني، 2018م).

معوقات تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية:

1/ قلة عدد المدارس التي تؤدي إلى عدم إمكانية تحقيق التكافؤ.

2/ الظروف الاقتصادية التي تؤثر على الطلاب مما يجعلهم غير قادرين على التحصيل.

3/  الظروف العائلية والأسرية للطالب التي تؤثر على تفوق الطالب وتحصيله للعلم.

4/ سوء الأوضاع الاقتصادية للدولة التي تحد من تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.

5/ بعض النظم السياسية التي تؤدي إلى عدم تحقيق المساواة.

6/ سوء فهم بعض القائمين بالعملية التعليمية خاصة في المجتمعات النامية بل وبعض أفراد المجتمع لمفهوم التكافؤ والقضايا المرتبطة به وكيفية تطبيقه (جبريل، موقع مقال: 2022م).

متطلبات تسهم في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية:

1/ إتاحة التعليم المجاني لجميع فئات المجتمع دون تمييز.

2/ إتاحة مقاعد دراسية لجميع فئات المجتمع بصرف النظر عن خلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية.

3/ الاستثمار في التعليم، والانفاق عليه بالمزيد من الأموال لضمان تنمية المجتمع تنمية مستدامة.

4/ ضمان العدالة في توزيع الموارد المادية في جميع المدارس، وضمان جودة المدخلات في العملية التعليمية بنفس العدالة والمساواة، ضماناً لحصول الجميع على فرص متكافئة.

5/ دعم وتعزيز المساواة بين الجنسين في اكتساب الفرص التعليمية.

6/ زرع الثقة في نفوس الفتيات للتغلب على العقبات التي تقف أمام تعليمهن.

7/ ضمان بيئة تعليمية آمنة للجميع، وخاصة الفتيات؛ لضمان بقائهن في التعليم، وذهابهن إلى المدرسة.

8/ وضع الاستراتيجيات الوطنية التي تشجع على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية في سياسات القبول، وتحقيق المساواة بين الجنسين بمرحلة التعليم الأساسي.

9/ وجود إرادة سياسية قوية تشجع على تكافؤ الفرص التعليمية لجميع فئات المجتمع، دون تمييز، والحصول على تعليم جيد ومستمر، وتوفير التعليم الجيد للجميع.

10/ تحقيق الانصاف في التعليم يتطلب رؤية واستثمارات طويلة الأجل (حباكة، 2022م:341).

          تم بحمد الله،،،

المصادر والمراجع:

1/ الشافعي، خديجة عباس: اتجاهات القيادات النسائية حول الحراك الاجتماعي للمرأة السعودية في ضوء رؤية (2030)، المجلة الدولية للدراسات التربوية، 2020م.

2/ الطيب، مولود زايد: دور الحراك الاجتماعي في الحصول على المكانة الاجتماعية وعلاقة ذلك ببنية ونظام المجتمع، جامعة الزاوية، د ت.

3/ الشخيبي، علي: علم اجتماع التربية المعاصرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 2002م.

4/ البداينة، ذياب، فايز المجالي: الحراك الاجتماعي بين الأجيال والتفصيل المهني لدى الأبناء، جامعة مؤتة، الكرك، قسم علم الاجتماع، مجلة مركز البحوث التربوية بجامعة قطر، العدد التاسع، السنة الخامسة، 1996م.

5/ محمد، حسين محمد: مؤشرات الحراك الاجتماعي في المجتمع الكردي-دراسة ميدانية في مدينة أربيل- جامعة صلاح الدين، كلية الآداب، قسم الاجتماع، (مصدها مكتبة الجامعة الإسلامية) بدون تاريخ.

6/ الأهدل، طاهر محمد عامر: التعليم والحراك الاجتماعي في ضوء بعض المتغيرات المجتمعية، جامعة صنعاء، قسم أصول التربية، 2006م.

حباكة، أمل سعيد: متطلبات مقترحة لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية بمرحلة التعليم الأساسي بمصر في ضوء خبرة فنلندا، جامعة الأزهر، كلية التربية بالقاهرة، مجلة التربية، العدد 194، الجزء 3 ، أبريل 2022م.

7/ مكناسي، أمينة: مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية في التعليم الجامعي، مجلة معابر، المجلد 4، العدد 1 ، ديسمبر 2018م

8/ استيتية، دلال ملحس: التغير الاجتماعي والثقافي، دار وائل للنشر، الطبعة الثانية، 2008م.

9/ العباد، عبدالله حمد: ورقة حول التعليم والحراك الاجتماعي، https://faculty.ksu.edu.sa/ar/aalabbad/course/228125 

10/ موقع الألوكة، الحراك الاجتماعي: شوقي، محمد، 2008م. https://2u.pw/82oQLS       الدخول 10/ 2 /2023م

11/ قدوسي محمد: الحراك الاجتماعي و المهني في الجزائر، من محاضرات مرحلة الماجستير لمادة علم اجتماع العمل والتنظيم، منشور عبر الشبكة العنكبوتية https://2u.pw/K4GTON      الدخول يوم 15 / 2/ 2023م.

12/ المدني، محمد عبدالرحمن: التعليم وتكافؤ الفرص، مدونة إلكترونية 2018م https://2u.pw/zMkBwk        الدخول 16/ 2 /2023م

13/ جبريل، ليلى: موقع مقال، موضوع عن تكافؤ الفرص التعليمية https://mqaall.com/topic-equal-educational-opportunities/

         الدخول 16/ 2 /2023م

14/ أبو ري، خديجة: موقع إلكتروني، الرابطة المحمدية للعلماء، هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم النساء، 2020م https://2u.pw/xDitbP        الدخول 16/ 2 /2023م

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق