الثلاثاء، 7 مارس 2023

حقوق الإنسان


قام بتدريس هذا المقرر سعادة الأستاذ الدكتور محمد الرحيلي

التكليف الأول

المبادئ والتعريفات

أولاً: الإنسان والتربية.

ثانياً: مفهوم حقوق الإنسان كما وردت في التشريعات الوضعية.

ثالثاً: مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام

 

 

 

المبادئ والتعريفات

 أولاً: الإنسان والتربية.

 الإنسان لغة:

     لفظ الإنسان اسم على وزن فعلان، مشتق من مادة (أنس) وجاء في مختار الصحاح للرازي أن: الأنس البشر والواحد انسي بالكسر وسكون النون وأنسي بفتحتين والجمع أناسي قال تعالى وأناسي كثيرا. قال ابن عباس t إنما سمي إنساناً لأنه عهد إليه فنسي والأناس بالضم لغة في الناس وهو الأصل واستأنس بفلان وتأنس به بمعنى والأنيس المؤانس وكل ما يؤنس به. والإيناس خلاف الإيحاش وكذا التأنيس وكانت العرب تسمي يوم الخميس مؤنساً ويونس بضم النون (الرازي، 1329ه: 228-229).

الإنسان في الاصطلاح:

     عرفه الجرجاني أنه الحيوان الناطق (الجرجاني، د. ت: 35).

     ويعني بالناطق هنا الفاهم: الذي يعقل ويفهم (الزمزمي،  : )

     وهناك مرادفات للإنسان: آدمي – إنسي – شخص (موقع المعاني).

     وأشار شفيق أن القرآن الكريم تحدث عن هذا الكائن البشري بعدة مفردات: الإنسان، بنو آدم، النفس، البشر، المرء، امرئ (اكريكر،  : ).

      وأشار الزحيلي أن الإنسان: معروف، ولكن يختلف العلماء والناس فيه عند النظر إليه من جهة معينة، أو زاوية ضيقة، أو هدف محدد. وهو أحد أفراد الجنس البشري، أو هو كل آدمي، أي: هو آدم، وبنو آدم، مهما اختلفت الصفات، والأوصاف، والاعتبارات (الزحيلي، 1418ه: 10).

الإنسان من وجهة نظر شرعية:

     هو "الكائن الفريد المميز الذي كتب الله أن يكون خليفة في هذه الأرض، كيما يكون مستخلفاً في احتمال الأمانات الثقال، ما بين بعث للخير والمعروف، وتحريض على الطاعات والفضائل والبر، ومجانبة للشر والضُرّ والمفاسد" (عبدالعزيز، 1417ه: ).

     والقرآن الكريم وصف هذا الإنسان في مواضع عديدة، حيث قال عز وجل :)لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[ وهنا يتجلى أن الإنسان خلق في أحسن تقويم، وقوله تعالى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ[ فقد جعله الله تعالى مكرماً بين خلقه، وقال عز من قائل: ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ يتجلى هنا الغاية من وجود الإنسان. وغيرها العديد من الآيات التي توضح مدى أهمية الإنسان ومكانته في هذا الوجود.

ومما سبق يتبين أن الإنسان هو ذلك المخلوق البشري الذي أوجده الله لعمارة الأرض، حيث أنه تعالى كرمه وأحسن صورته وخلقه لعبادته U

      ونبع من هذا الاهتمام للإنسان ما يعرف بالإنسانية، حيث جاء في المعجم الفلسفي أن الإنسانية هي: "جملة الصفات التي تميز الإنسان أو جملة أفراد النوع البشري التي تصدق عليها هذه الصفات. وهي في نظر "أوجست كونت" تؤلف كائناً جماعياً يتطور مع الزمن" (المعجم الفلسفي، 1403ه: 25)

     وفي لغة التربويين جاء معنى الإنسانية بأنه: "فلسفة تربوية تعطي اهتماماً خاصاً لنمو الطالب النفسي والاجتماعي، وتحترم المدرسة الإنسانية اهتمامات المتعلم وكرامته وتقدر حاجاته الشخصية وقدراته العقلية وتمنحه الحرية في التعلم والتعبير عن رأيه، بدلاً من أن تنظر إليه باعتباره مستودعاً لخزن المعلومات واسترجاعها، ويؤكد التوجه الإنساني في التعليم ضرورة الاعتراف بحاجات المتعلم وحوافزه، مع ضرورة العناية بتعزيز مفهوم الطالب عن ذاته" (لغة التربويين، 1428ه: 51).

التربية لغة:

      وعند تعريف التربية في اللغة فأصلها من مادة  ( ربا )

     رَبا الشيءُ يَرْبُو رُبُوّاً ورِباءً: زاد ونما .وأَرْبَيْته: نَمَّيته ) ابن منظور، د.ت:1572)

     "ربا الشيء زاد ... ورباه تربية وترباه أي غذاه وهذا لكل ما ينمى كالولد والزرع ونحوه" (الفيرزو آبادي، 1426ه: 595).

     فالتربية تأخذ مفهوم يشمل النمو والزيادة والتنمية والتغذية الجسدية والروحية، وكل ما من شأنه أن يُمنح للنشأ من الرعاية والاهتمام.

التربية اصطلاحاً:

     يشير الراغب الأصفهاني إلى أن : الرب في الأصل التربية وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام (الأصفهاني، د.ت: 184).

    ويقول البيضاوي أن: الرب في الأصل اللغوي بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً (الحازمي، 1430ه: 19، 20).

     يتبين أن مفهوم التربية عند السلف الصالح رحمهم الله يقتضي التأسيس والتنشئة تدريجياً شيئاً فشيئاً حتى يبلغ النشأ حد التمام والكمال في مختلف الجوانب.

     وعرفها أفلاطون أنها تدريب الفطرة الأولى للطفل على الفضيلة من خلال اكتسابه العادات المناسبة.

      بينما ذهب هربرت سبنسر إلى أن التربية هي إعداد الفرد ليحيا حياة كاملة.

      وأشار جون ديوي أن التربية هي الحياة، وليست إعداد للحياة والتربية عملية مستمرة لإعادة بناء الخبرة، بهدف توسيع وتعميق مضمونها الاجتماعي (الزهراني، 1442ه)

ثانياً: مفهوم حقوق الإنسان كما وردت في التشريعات الوضعية.

الحق لغة:

     الحق نَقِيضُ الباطِلِ، وجمعُهُ حُقُوقٌ وحِقَاقٌ (ابن منظور، د.ت: 939)

الحق اصطلاحاً:

     عرفه الزحيلي بأنه: "مصلحة ومنفعة قررها المشروع؛ لينتفع بها صاحبها، ويتمتع بمزاياها، وبالتالي تكون واجباً والتزاماً على جهة، أو آخر يؤديها" (الزحيلي،1418ه: 9).

     وذهب رضوان أن الحق: "كل ما يستطيع الفرد القيام به في حدود الشرعية التي يمنحها له القانون، فهو تمكين أو سلطة يسندها القانون إلى شخص معين، يستطيع بمقتضاها أن يصبح صاحب سلطة على شيء أو يقتضي أداء معيناً من قبل شخص آخر". (الزهراني، مرجع سابق)

أما عن حقوق الإنسان في التشريعات الوضعية:

     جاء في التعريفات الغربية العديد من التعريفات، وسوف يتم ذكر بعضاً منها:

     هي: "تلك الحقوق المتأصلة في الكائن البشري، فمهوم حقوق الإنسان يقر بأن لكل إنسان حرية التمتع بحقوقه دون تمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الوضع السياسي، أو غيره".

    كما عُرفت بأنها: "ضمانات قانونية عالمية تحمي الأفراد والجماعات من الأعمال التي تتعارض مع الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية".

     كما أنها: "هي التي يحددها العرف أو الاتفاق الدولي الذي فرض معايير السلوك على جميع الدول؛ فحقوق الإنسان تختلف عن الحريات المدنية، وهي الحريات المنصوص عليها في قانون دولة معينة، والتي تطبقها الدولة في ولايتها".

    وبناء على ما سبق من تعريفات، أورد الحقيل أن التشريعات الوضعية لحقوق الإنسان تناولتها العديد من المدارس الفكرية، الأولى تنسب حقوق الإنسان لفكرة الحريات العامة، والثانية نرى أن هذه الحقوق لها استقلالها الخاص ولا تختلط بالحريات.

المدرسة الأولى:

     المدرسة الأوروبية لحقوق الإنسان، نشأت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ويقصد بها "إقرار الفرد دون ضغط أو توجيه خارجي، أن يحدد سلوكه لنفسه تحديداً ذاتياً" حيث أن هدفها الحرية العامة.

المدرسة الثانية:

     تفسر هذه المدرسة حقوق الإنسان بمعزل عن الحرية، حيث ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، ومنطقها هو رفض الخلط بين حقوق الإنسان والحريات العامة. فالحق عندهم يعتبر مصلحة يحميها القانون، فهناك حقوق يقررها القانون للأفراد دون أن تعد هذه الحقوق من حقوق الإنسان (الحقيل، 1414ه: 15، 17)

 

ثالثاً: مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام

     يعرفها الزحيلي بأنها: "منح إلهية من الله الخالق البارئ للإنسان بمقتضى فطرته التي فطره الله عليها ليكون خليفة منه في الأرض، ويمارس جميع ما وهبه الله له في حياة الدنيا، وينعم بجميع المصالح التي تعود عليه بالنفع والخير، وتدفع عنه السوء والشر، فهي حقوق شخصية للإنسان، وهي مطلب مصون ومقدس للناس جميعا على مستوى الأفراد والجماعات" (الزحيلي ، مرجع سابق)

ويعرفها العز بن عبدالسلام بأنها: "كل ما يتعلق بجلب المصالح ودرء المفاسد للناس" (الزهراني ، مرجع سابق).

  

التكليف الثاني

أولاً- أهمية حقوق الإنسان في الإسلام

ثانياً- ضوابط حقوق الإنسان في الإسلام

ثالثاً- مصادر حقوق الإنسان في الإسلام


أهمية حقوق الإنسان في الإسلام

      "حقوق الإنسان كلها في الإسلام تبدأ من وحدانية الله تعالى، الذي خلق البشر جميعاً، وكرمهم وفضلهم على جميع مخلوقاته، ورسم لهم المنهج الذي يسيرون عليه لتحقيق رسالتهم في هذه الحياة، وطلب منهم أن يطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منهم في الحدود التي رسمها الإسلام، وكان هذا الإعلان الأول لتخليص البشرية" (القاضي، 1400ه: 31)

       "إن حقوق الإنسان في الإسلام كثيرة، وقد وردت صور الحقوق في الشريعة الإسلامية على شكل أوامر أو نواه من الله سبحانه وتعالى مما يؤكد التوازن بين الحقوق والواجبات لدى الأفراد" (أحمد، 2015م: 471).        

      جاءت نتائج دراسة  التاج إبراهيم أحمد:

-       الشريعة الإسلامية لها الصدارة والخصوصية في تصورها لحقوق الإنسان، وهي صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.

-       لا يميز الإسلام في الحقوق الإنسانية أو يفاضل بين إنسان وآخر لأي سبب من الأسباب ويطبق المساواة والعدل بين الجميع.

-       وازن الإسلام في كفالته لحقوق الإنسان بين مصلحة الفرد في صيانة حقوقه الأساسية ومصلحة الجماعة في التجريم والعقاب.

-       إن الإسلام دين عام وشامل لكل جوانب الحياة البشرية فهو عقيدة وعبادة ومعاملات وتوجيه للسلوك الإنساني على مستوى الفرد والجماعة والدولة.

-       إن الشريعة الإسلامية بسائر أحكامها وآدابها أنزلها الله تعالى منهاجاً شاملاً للحياة تنظيماً للعلاقات الإنسانية وتقويماً للسلوك وإقامة للحق وإصلاحاً للفساد. (أحمد، 2015م: 513).

     الحق والواجب شيء واحد وجهان لعملة واحدة – فحق الفرد واجب على الجماعة وحق الجماعة واجب على الفرد، فالحق والواجب لا يمكن الفصل بينهما. والواجب هو كل ما يلزم الإنسان مراعاته وحفظه، وعدم المساس به من الحقوق التي منحها الشرع للآخرين، وذلك لأن الشرع عندما يقرر حقاً، فإنه ينشئ في الوقت نفسه واجباً مقرراً على الناس كافة نحو هذا الحق، وهذا الواجب هو احترام هذا الحق في نطاق الحدود المرسومة له (موسى، 2005م: 25، 26).

ضوابط حقوق الإنسان في الإسلام

 أولاً: أنها مقيدة ومحمية بضمانات تشريعية وتنفيذية.

     فهي ليست مجرد توصيات أدبية، للسلطة العامة في الإسلام حق الإجبار على تنفيذها وحمايتها وعقاب الممتنعين عن تنفيذها. مثل: حق حرية التعبير عن الرأي، يجب أن تمارس بأسلوب سلمي بالحكمة والموعظة الحسنة دون إكراه وعنف، دون ضرر أو تعدي على حرمات الإسلام والآخرين.

ثانياً: أنها مقيدة بضوابط مصلحة الجماعة دون الإضرار بهم.

     ليس للفرد أن يستخدم حقه فيما يؤذي الجماعة. مثل: مشروعية وحق الطلاق بيد الرجل دون الإضرار بزوجه، وإباحة التجارة مع تحريم الغش الذي يضر بالناس.

ثالثاً: أنها مقيدة بضوابط المصالح والمفاسد.

     إذا تعارضت المفسدة مع المصلحة رجح بينهما ويؤخذ بالأكبر، مثل: عقوبة القتل، فقتل القاتل مفسدة على الجاني، والمصلحة المترتبة على قتله أكبر فإنه يعطي المجني عليه حقه ويقام العدل ويستتب الأمن وتطفئ نار الثأر في المجتمع.

 

رابعاً: أنها مقيدة بضوابط الأخلاق.

     فالحقوق في الإسلام مقيدة برعاية أخلاق المجتمع ومثله العليا، كإذاعة الكفر بالله ورسوله وكتابه، أو نشر الرذيلة والفجور وغيرها من مساوئ الأخلاق. ( عوض، 2010م: 417، 418)

مصادر حقوق الإنسان في الإسلام

     الحقوق في الإسلام ليس لها مصدر سوى الشريعة وأحكامها المستقاة من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، والإجماع وهو اتفاق المجتهدين من أمة محمد r على حكم شرعي في عصر غير عصر الرسول r، والقياس وهو إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر، لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت. فلا واجب إلا ما أوجبه الله U في شريعته ولا حق إلا ما جعلته هذه الشريعة حقاً (عثمان، 1991م: 16، 17).

أولاً/ القرآن الكريم:

  هو المصدر الأول للشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان فيها، فالقرآن الكريم هو المصدر الأول الذي تتفرع منه بقية المصادر، والقرآن الكريم جاء بأحكام كلية، وقواعد عامة مما لا يقبل التغيير والتعديل، وفيما تجب مراعاته في القضاء ويجب الاعتماد عليه في الرأي سواء كان إجماعياً أو إفرادياً، ومن الأحكام الكلية والقواعد العامة ما يلي:

1-  عدم التمايز بين أبناء الشريعة الإسلامية في الكرامة.

2-  حماية حقوق الإنسان الأساسية من حرية شخصية وحصانة بيته، وصيانة ماله وحرمه ودمه وحق كل إنسان في العمل وملك ثمراته، وكذلك حقه على المجتمع في ضمان حياة كريمة له.

3-  عدم الإكراه في الدين.

4-  العدل في الحكم ولو لأشد الناس عداوة لك أو على أقرب النادي البيت.

 

ثانياً/ السنة النبوية الشريفة:

      هي المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية، وكما هو المعروف فإن السنة النبوية هي الأقوال والأفعال والأحكام التشريعية الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، شرحا وتفصيلا لما جاء في القرآن الكريم.

         ومن السنة: عن المقدام بن معدي كرب الكندي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم  قال: "يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما حرم الله"

     والسنة في جملتها تابعة للقرآن الكريم وبيان له وهي: إما تفريع على قواعد القرآن، وإما شرح لكليه، وبسط لمجمله، وإما وضع لقاعدة عامة أيضاً مستمدة من أحكام جزئية أو من قواعد كلية في القرآن الكريم.   

ثالثاً/ الإجماع:

     هو المصدر الثالث من مصادر الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان فيها ويمكن تعريف الاجماع بأنه الرأي الإجماعي الذي يصدر عن علماء الشريعة في كل زمان وتحت إرشاد القواعد والمبادئ العامة في القرآن والسنة وتطبيقاتهما التفصيلية ).

وقد بين بعض العلماء أن للإجماع أربع طرق.

١) الرأى الإجماعي.

٢) التعامل الإجماعي.

٣) رأي بعض علماء الشرعية مصحوباً بسكوت الباحثين الذين اطلعوا على هذا الرأي.

٤) التعامل لدى بعض علماء الشريعة دون اعتراض عليه من قبل الباقين الذين اطلعوا عليه.

رابعاً/ الاجتهاد:

      هو المصدر الرابع من مصادر الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان فيها. والاجتهاد هو الرأي الفردي الذي يصدر أيضا عن علماء الشريعة في كل زمان ومكان، وتحت إرشاد القواعد العامة في القرآن والسنة والإجماع وما في ذلك من تفصيل أو تطبيق عليه (الحقيل، 1414ه :33-38)

  

التكليف الثالث

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من وجهة نظر وصفية:

1/ نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

2/ موقف التربية الإسلامية من هذه النصوص من خلال:

(1) موقف المملكة العربية السعودية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

(ب) موقف منظمة المؤتمر الإسلامي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

(ج) وجهة نظر التربية الإسلامية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

 

 نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

       في العاشر من شهر ديسمبر 1948م صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يسمى بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد جاء فيه: إن للناس – باعتبارهم آدميين – حقوقا، يجب على الجميع احترامها، ومن هذه لحقوق: حق الحرية، وحق المساواة، وحق الملكية.

     لكن الإعلان جاء بعد أن تم تقسيم فلسطين، وإعطاء جزء من أراضيها إلى الصهيونية العالمية لإنشاء دولة لهم على حساب غيرهم، وعلى أرض ليست لهم، وكأن المطلوب حقوق الإنسان اليهودي.

       أما الولايات المتحدة الأمريكية لم تعلن رسمياً إلغاء التفرقة العنصرية، ومنح الزنجي حق الانتخابات إلا منذ خمسون عاماً تقريباً، ومع هذا فإن الإعلان تم من الناحية النظرية، أما الناحية التطبيقية فلا زال عشرات الملايين من الزنوج يعانون من العنصرية الرسمية والشعبية داخل الولايات المتحدة نفسها في جميع المجالات، وكأن الحقوق أعدت للإنسان الأبيض فقط.(القاضي، 1400ه: 21، 22).

أما عن نصوص وبنود الإعلان حسب ما جاء في الموقع الرسمي للأمم المتحدة:

1/ يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.

2/ لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته.

3/ لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه.

4/ لا يجوز استرقاقُ أحد أو استعبادُه، ويُحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما.

5/ لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة.

6/ لكلِّ إنسان، في كلِّ مكان، الحقُّ بأن يُعترَف له بالشخصية القانونية.

7/ الناسُ جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز.

8/ لكلِّ شخص حقُّ اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصَّة لإنصافه الفعلي من أيَّة أعمال تَنتهك الحقوقَ الأساسيةَ التي يمنحها إيَّاه الدستورُ أو القانونُ.

9/ لا يجوز اعتقالُ أيِّ إنسان أو حجزُه أو نفيُه تعسُّفًا.

10/ لكلِّ إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحقُّ في أن تَنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلَّةٌ ومحايدةٌ، نظرًا مُنصفًا وعلنيًّا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أيَّة تهمة جزائية تُوجَّه إليه.

11/ أ- كلُّ شخص متَّهم بجريمة يُعتبَر بريئًا إلى أن يثبت ارتكابُه لها قانونًا في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميعُ الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.
 
ب- لا يُدان أيُّ شخص بجريمة بسبب أيِّ عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكِّل جُرمًا بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا تُوقَع عليه أيَّةُ عقوبة أشدَّ من تلك التي كانت ساريةً في الوقت الذي ارتُكب فيه الفعل الجُرمي.

12/ لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات.

13/ أ-لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة.
 ب-   لكلِّ فرد حقٌّ في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده.

14/ أ- لكلِّ فرد حقُّ التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد
      ب- لا يمكن التذرُّعُ بهذا الحقِّ إذا كانت هناك ملاحقةٌ ناشئةٌ بالفعل عن جريمة غير سياسية أو عن أعمال تناقض مقاصدَ الأمم المتحدة ومبادئها

15/ أ- لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.

      ب- لا يجوز، تعسُّفًا، حرمانُ أيِّ شخص من جنسيته ولا من حقِّه في تغيير جنسيته

16/ أ-  للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوُّج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
  ب-   لا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملً لا إكراهَ فيه.
  ج-   الأسرةُ هي الخليةُ الطبيعيةُ والأساسيةُ في المجتمع، ولها حقُّ التمتُّع بحماية المجتمع والدولة.

17/ أ- لكلِّ فرد حقٌّ في التملُّك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.
      ب- لا يجوز تجريدُ أحدٍ من مُلكه تعسُّفًا.

18/ لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.

19/ لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.

20/ أ- لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية.
     ب- لا يجوز إرغامُ أحدٍ على الانتماء إلى جمعية ما.

21/ أ- لكلِّ شخص حقُّ المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إمَّا مباشرةً وإمَّا بواسطة ممثِّلين يُختارون في حرِّية.
      ب- لكلِّ شخص، بالتساوي مع الآخرين، حقُّ تقلُّد الوظائف العامَّة في بلده
      ج- إرادةُ الشعب هي مناطُ سلطة الحكم، ويجب أن تتجلىَّ هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريًّا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرِّي أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرِّية التصويت.

22/ لكلِّ شخص، بوصفه عضوًا في المجتمع، حقٌّ في الضمان الاجتماعي، ومن حقِّه أن تُوفَّر له، من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتَّفق مع هيكل كلِّ دولة ومواردها، الحقوقُ الاقتصاديةُ والاجتماعيةُ والثقافيةُ التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرِّية.

23/ أ- لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة.
     ب- لجميع الأفراد، دون أيِّ تمييز، الحقُّ في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي.
    
ج- لكلِّ فرد يعمل حقٌّ في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقةً بالكرامة البشرية، وتُستكمَل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية.
    د-  لكلِّ شخص حقُّ إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.

24/ لكلِّ شخص حقٌّ في الراحة وأوقات الفراغ، وخصوصًا في تحديد معقول لساعات العمل وفي إجازات دورية مأجورة.

25/ أ- لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.
ب- للأمومة والطفولة حقٌّ في رعاية ومساعدة خاصَّتين. ولجميع الأطفال حقُّ التمتُّع بذات الحماية الاجتماعية سواء وُلِدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.

26/ أ- لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم.
ب- يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب أن يعزِّز التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيِّد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام.
ج- للآباء، على سبيل الأولوية، حقُّ اختيار نوع التعليم الذي يُعطى لأولادهم.

27/ أ- لكلِّ شخص حقُّ المشاركة الحرَّة في حياة المجتمع الثقافية، وفي الاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدُّم العلمي وفي الفوائد التي تنجم عنه.
ب- لكلِّ شخص حقٌّ في حماية المصالح المعنوية والمادية المترتِّبة على أيِّ إنتاج علمي أو أدبي أو فنِّي من صنعه .

28/ لكلِّ فرد حقُّ التمتُّع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقَّق في ظلِّه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحقُّقًا تامًّا.

29/ أ- على كلِّ فرد واجباتٌ إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.
ب- لا يُخضع أيُّ فرد، في ممارسة حقوقه وحرِّياته، إلاَّ للقيود التي يقرِّرها القانونُ مستهدفًا منها، حصرًا، ضمانَ الاعتراف الواجب بحقوق وحرِّيات الآخرين واحترامها، والوفاءَ بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي.
ج- لا يجوز في أيِّ حال أن تُمارَس هذه الحقوقُ على نحو يناقض مقاصدَ الأمم المتحدة ومبادئها.

30/ ليس في هذا الإعلان أيُّ نصٍّ يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أيَّة دولة أو جماعة، أو أيِّ فرد، أيَّ حقٍّ في القيام بأيِّ نشاط أو بأيِّ فعل يهدف إلى هدم أيٍّ من الحقوق والحرِّيات المنصوص عليها فيه.

 

موقف التربية الإسلامية من هذه النصوص من خلال:

أ/ موقف المملكة العربية السعودية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

     بعد مرور ما يزيد على ثمانية وخمسين عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي صدر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د - 31) بتاريخ 10 كانون الأول - ديسمبر 1948م، وما تبعه من اعلانات وعهود ومواثيق من صياغة اللجان المتخصصة في مجال حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أهمها العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمد بقرار الأمم المتحدة رقم: 2200 - أ (د- 21) بتاريخ 16 ديسمبر 1966م، والذي تقرر نفاذه اعتباراً من 23 مارس 1976م تطبيقاً للمادة (49) منه وكذا الميثاق الدولي الخاص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعتمد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2200 - أ وتاريخ 16 ديسمبر 1966م، والذي تقرر نفاذه اعتباراً من 3 يناير 1976م تطبيقاً للمادة (27) منه لا تزال دول العالم منقسمة وغير متفقة على معظم بنود ومواد هذه الاعلانات، والمواثيق وما ذلك إلا بسبب عدم مراعاة هذه الاعلانات والأنظمة والعهود لخصوصيات الأمم، والشعوب المنضوية تحت منظومة الأمم المتحدة، والتي تتحكم في صدور قراراتها مجموعات محددة من الدول لها نفوذ سياسي قوي وموجه لعدد كبير من دول العالم تستطيع من خلاله تحقيق الأغلبية، لكل قرار، وإعلان يتم التصويت عليه من الأمم المتحدة، وإن كان هذا القرار ضد مصالح، ومبادئ، وديانة الدول التي أعلنت الموافقة عليه، وبهذا يأخذ هذا الاعلان أو القرار أو العهد صفة المشروعية الدولية والمرجعية في مواثيق حقوق الإنسان، واتفاقياته رغم تحفظ دول أخرى على بعض بنود هذه الإعلانات لأنها تنافي عقائد وأديان وقيم شعوبها وكذا الدول التي وافقت عليه نتيجة للضغوط السياسية من الدول النافذة بالأمم المتحدة الهادفة إلى تسيس مسائل حقوق الإنسان، وجعلها أداة ضغط سياسي على باقي دول العالم التي لا تنهج منهجها الفلسفي الغربي - الديمقراطية الغربية - ولقد شدني للكتابة عن ذلك مقال الدكتور عيسى الشامخ والذي نشر في الجزيرة بالعدد رقم: 12497 تاريخ 25-11- 1427هـ الموافق 16-12-2006م وما رآه أو طالب به الأمم المتحدة من اعادة النظر في صياغة الاعلانات وعهود ومواثيق حقوق الإنسان بحيث تراعي عقائد وأديان وقيم الشعوب، ودساتيرها المرتبطة بها، كما رأى أنه يجب على الدول الإسلامية ألا تتعاون مع أية آلية دويلة لحقوق الإنسان تطالب بتطبيق المعايير الدولية في مسائل حقوق الإنسان، دون اعتبار واكتراث بدساتير الشعوب المرتبطة بعقيدتها، ودينها كما دعاني للكتابة أيضاً ما صرح به لجريدة الجزيرة في عددها رقم 12491 وتاريخ 19- 11-1427هـ معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان بالمملكة الأستاذ تركي بن خالد السديري بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان من أن صورة العالم اليوم لا تبشر بخير ما لم يعد الإنسان إلى قيمته الإنسانية الأصيلة. وما أريد أن أذكره وإن كان جزماً لا نخص على الدكتور عيسى وهو من المدافعين عن وجهة نظر المملكة في أروقة الأمم المتحدة وغيرها منذ عشرين عاماً أن المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي تحفظت كما لم تنضم حتى الآن إلى الموقعين على (الاعلان العالمي لحقوق الإنسان) ولا إلى (الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) على أن عدم انضمامها كما سيتضح لاحقاً ليس تنكراً لهدف الإعلان ولا الميثاق الدوليين والذي هو (كرامة الإنسان) كما صرحت به نصوصهما وإنما لأسباب جوهرية الهدف منها التصميم على بقاء (كرامة الإنسان) محمية من غير تمييز ما بين إنسان وآخر بدافع من العقيدة الإلهية، لا بدافع القوانين الوضعية المادية وتنقسم تحفظات المملكة على الإعلان العالمي والميثاق الدولي لحقوق الإنسان إلى قسمين:
أولاً: التحفظات الجزئية:
 1-التحفظ على المادة السادسة عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تعطي (للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج الحق بالتزوج بدون قيد بسبب الدين). وهذه المادة التي تظهر أن وضع قيد على المرأة المسلمة في حرمة زواجها من غير المسلم أو زواج المسلم من امرأة وثنية، أو لا تؤمن بالله مطلقاً، أو العكس يعتبر مخالفاً للمادة السادسة عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتلخص تحفظ المملكة على هذه المادة في أن منطلق الإسلام فيما جاءت به المادة لا ينطلق من حيث إنه قيد للحرية في الزواج بسبب الدين؛ إنما ينطلق من حيث وجوب صيانة الأسرة من الانحلال بسبب الاختلاف في الدين عند عدم احترام الزوج بموجب عقيدته لمقدسات زوجته، حيث إن المرأة أحد عنصري الأسرة الأكثر حساسية في هذا الموضوع وذلك على النحو التالي:
أ- زواج المسلم من امرأة وثنية أو لا تؤمن بالله مطلقاً محرم على المسلم؛ لأن عقيدة المسلم لا يمكن أن تحترم بحال من الأحوال مقدسات هذه الزوجة، أو معتقداتها، مما يعرض الأسرة إلى النزاع، ثم الانحلال، فكان من المنطق حينئذ أن يحرم الإسلام مثل هذا الزواج.
ب- زواج المسلم من امرأة مسيحية أو يهودية أجازه الإسلام لأن الرجل المسلم يعتقد أن السيد المسيح رسول من الله، كما يعتقد أن أمه السيدة مريم مبرأة مما اتهمها به اليهود، كما يعتقد أن موسى عليه السلام رسول إلى بني إسرائيل، وبناءً على هذا لا تجد الزوجة المسيحية ولا اليهودية التي تبقى على دينها بعد زواجها من الرجل المسلم ما ينفرها من زوجها المسلم ويعرض الأسرة إلى الخصام والانحلال، وبهذا يظهر عدم تحريم الإسلام لهذا الزواج على الرغم من اختلاف الدين.
ج- أن زواج غير المسلم مسيحياً كان أو يهودياً من مسلمة قد حرمه الإسلام؛ لأن الزوج المسيحي، أو اليهودي لا يعتقد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام، وأنه رسول الله، بل يعتقد فيه كل منكر من العقيدة والقول، مما ينفر الزوجة المسلمة من زوجها ويعرض الأسرة إلى النزاع ثم الانحلال، وهذا مما لا يدعو له الإسلام، بل يهدف إلى المحافظة على الأسرة وعلى علاقات أفرادها.

2- التحفظ على المادة الثامنة عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن: (لكل شخص الحق في تغيير دينه) ويتلخص تحفظ المملكة على هذه المادة من منطلق أن الإسلام لا ينطلق من حيث إنه قيد للحرية في الحق لكل شخص بتغيير دينه، وإنما ينطلق من قمع لمكيدة يهودية حدثت في صدر الإسلام حين أسلم جميع عرب المدينة المنورة واتحدت كلمتهم بعد خصومة مسلحة بينهم خطط لها اليهود اللاجئون عندها فكر اليهود بخبث على أن يدخل بعضهم في الإسلام ثم يرتد عنه ليشكك العرب في دينهم وليضللهم في معتقدهم، فتولد عن ذلك الحكم الإسلامي في منع تغيير المسلم لدينه مع العقوبة عليه حتى لا يدخل أحد في الإسلام إلا بعد سبق بحث عقلي وعلمي ينتهي بالعقيدة الدائمة. أما حرية العقيدة ابتداء فلا حظر عليها في الإسلام، ولهذا قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وقوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}, وقوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}

3-التحفظ على المادة الثامنة من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي أعطت (لكل عامل الحق في تكوين اتحادات عمالية دون أن يكون خاضعاً إلا إلى أحكام منظمته)، كما صرحت بأنه: (لا يجوز وضع أي قيد على ممارسة هذا الحق)، كما أعطت العامل أيضاً: (حق الإضراب بشرط أن يمارس طبقاً لقوانين الدولة المعنية) ويتلخص تحفظ المملكة على هذه المادة بأن من دعا إلى هذه المادة وإقرارها هي الماركسية وذلك في القرن التاسع عشر الميلادي وهي من سلبت العمال هذا الحق في جميع الدول الشيوعية آنذاك، ولا تعترف إلا بسلطانها وحدها لذا فهي تضرب عنق كل من يهدد بالإضراب أو يمارسه، كما أن حكومة العمال البريطانية عندما كانت على سدة الحكم هي التي تشتكي من هذه الاتحادات العمالية، واضراباتها التي لم تكن في مصلحة البلاد، والتي كان 90% منها مخالفاً للقانون، وكذلك الحال في الولايات المتحدة الأمريكية فهي من الدول التي اتخذت تشريعات قومية لتحد من هذه الحقوق المطلقة، حيث أصدرت قانوناً منحت به الرئيس الأمريكي حل أي اتحاد عمالي عندما يرى ذلك ضرورة لأمن البلاد ومصلحتها؛ ولذلك فالمملكة العربية السعودية تحفظت عن بصيرة تجاه هذه المادة وما فيها من حقوق مطلقة غريبة، ومعها حق الإضراب؛ وذلك حماية لمصالح العمال أنفسهم، ولمصالح الاقتصاد الوطني، واستبدلت بذلك قانوني العمل، والتأمين الاجتماعي اللذين أخذت فيهما بجميع المبادئ الدولية التي وضعت لصالح العمل والعمال، وبصورة خاصة حق الأجر العادل، وحق العطل المأجورة، وتحديد ساعات العمل، وحق الإجازات السنوية المأجورة، والشروط الصحية، والوقائية والتأمين الصحي، وتعويض الإصابة حسب درجاتها، وحق المعاش عند بلوغ السن القانوني، مما جعل المملكة العربية السعودية في ميدان حقوق العمل بمصاف البلاد المتطورة..
ثانياً: التحفظات على الإعلان العالمي، والميثاق الدولي لحقوق الإنسان بصورة عامة:
جاء تحفظ المملكة العربية السعودية على الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية ليس تنكرا لهدف هذا الاعلان أو الميثاق والذي هو (كرامة الإنسان) وإنما لبيان ما جاءت به الشريعة الإسلامية من أصول حقوق الإنسان في الإسلام والمطبقة في المملكة ومنها:
-
كرامة الإنسان عملاً بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.
وعدم التمييز في الكرامة وفي الحقوق الأساسية ما بين إنسان وآخر، لا في العرق ولا في الجنس ولا في النسب ولا في المال عملاً بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}, وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) وقوله: (النساء شقائق الرجال (النداء بوحدة الأسرة الإنسانية، وإن خير بني الإنسان عند الله هو أكثرهم نفعاً لهذه الأسرة عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله)
-
الدعوة إلى التعارف والتعاون على الخير وتقديم جميع أنواع البر إلى جميع بني الإنسان دون النظر إلى جنسيته ودينه عملاً بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}, وقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }.
-
حرية الإنسان في عقيدته، وعدم جواز
ممارسة الإكراه فيها عملاً بقوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}, وعملاً بقوله تعالى: { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}, وذلك في استنكار استعمال الضغط على حرية الإنسان في العقيدة ابتداء.
-
حرمة العدوان على مال الإنسان وعلى دمه وعرضه عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (حرام عليكم أموالكم ودماؤكم).
-
حصانة البيت لحماية حرية الإنسان عملاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
-
التكافل فيما بين أبناء المجتمع في حق كل إنسان بالحياة الكريمة، والتحرر من الحاجة والفقر بفرض حق معلوم في أموال القادرين ليصرف لذوي الحاجة على اختلاف حاجاتهم عملاً بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}, وقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}.
-
ايجاب العلم على كل مسلم من أجل القضاء
على الجهل عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، مع فتح آفاق السماء والأرض للنظر فيها والنفاذ إليها عملاً بقوله تعالى: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، وقوله تعالى: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ}, أي بسلطان العلم.
فرض العقوبة على الممتنعين عن التعلم أو التعليم مما لم تصل إليه بعد حقوق الإنسان في أية دولة, وذلك عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما قبل إنشاء المدارس ودور التعليم (ليتعلمن قوم من جيرانهم وليعلمن قوم جيرانهم، أو لاعاجلنهم العقوبة( فرض الحجر الصحي في حالات الأمراض المعدية منذ أربعة عشر قرناً، وقبل أن تنتبه أية دولة حينذاك لادخاله في تشريعها، وذلك مبالغة في حماية الصحة العامة من المرض إلى جانب حماية المجتمع من الفقر والجهل كما تقدم، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ظهر هذا الوباء في أرض وكنتم فيها فلا تخرجوا منها، أو كنتم خارجين عنها فلا تدخلوها).
-
وهناك كثير من النصوص التشريعية الإسلامية التي لا تحصى لحماية هذه الحقوق التي أشرنا إليها أعلاه، وهي في مجملها تشرح حقوق الإنسان الأساسية التي لا يجوز مساسها، كما تتناول بالتفصيل حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من آفاقها الإنسانية العليا التي لا تميز ولا تسمح أن يميز فيها ما بين إنسان وآخر بأي نوع من أنواع التمييز، وخاصة بسبب الأمور التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهي: (الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو البلاد)، بل وتزيد الشريعة الإسلامية على ذلك مما لم يتنبه إليه واضعو ميثاق حقوق الإنسان وقد نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ويستدل من هذه الآية الكريمة على عدم التمييز أيضاً في هذه الحقوق بسبب الحقد والعداء، وكذلك أعلن الإسلام بأن النساء شقائق الرجال، وأن لهن من الحقوق مثل ما عليهن من الحقوق، إلا ما جعل للرجال من حق في رئاسة الأسرة وتحمل مسؤولياتها لما بني عليه تكوين الرجال من خصائص تجعلهم في الأصل أرجح في حمل هذه المسؤولية الاجتماعية الثقيلة، وما هذا في الحقيقة إلا عبء ثقيل وضع على عاتق الرجل وحررت منه المرأة، من غير أن يكون في ذلك مساس بالكرامة المتساوية أو الحقوق المتساوية، وفي ذلك منتهى العدل والابتعاد عن الظلم فيما بين الجنسين.
ويتضح من هذه النصوص التشريعية في الإسلام مقدار حرص الإسلام على حقوق الإنسان الأساسية، ومقدار عناية الإسلام بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولم يتخذ الإسلام من هذه النصوص مواعظ أخلاقية، بل أوامر تشريعية، وأقام إلى جانبها جميع النصوص التشريعية اللازمة لضمان تنفيذها، وهذا ما لم تصل إليه بعد نصوص (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، ولا نصوص (الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان)، بل ظلت هذه النصوص الدولية في مرتبة التوصيات الأدبية التي لا ضامن لها من الضمانات التشريعية لا على المستوى الدولي، ولا على المستوى القومي، وهذه هي تحفظات المملكة على الميثاق بصورة عامة.
من هذه الركائز الأساسية لحقوق الإنسان التي جاءت بها الشريعة الإسلامية بنت المملكة العربية السعودية أنظمتها المختلفة التي حفظت فيها حقوق الإنسان بشكل متكامل بدءاً من النظام الأساسي للحكم الذي تنص المادة الثامنة منه على أن الحكم يقوم على العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية، كما نصت المادة السادسة والعشرون على أن: (تحمى الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية) وغيرهما من المواد كما تم بناء نظام القضاء، ونظام المرافعات الشرعية، ونظام المحاماة، ونظام الإجراءات الجزائية ولوائحها التنفيذية على هذه الأصول الشرعية المراعية لحقوق الإنسان.
وواكب ذلك إنشاء ديوان مجلس الشورى، وديوان المظالم، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة التحقيق والادعاء العام، عدا المجالس المفتوحة للمواطنين كمجلس الملك، ومجلس ولي العهد، ومجالس أمراء المناطق، ومجالس المناطق، وإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وهيئة حقوق الإنسان الحكومية، وأخيراً المجالس البلدية التي تمت عن طريق الانتخابات، وأنني لا أعتقد تحقق ما يطالب به الدكتور عيسى من الأمم المتحدة بأن تعيد النظر في صياغة إعلانات وعهود ومواثيق حقوق الإنسان بحيث تراعي عقائد وأديان وقيم الشعوب وذلك في المستقبل القريب وذلك:
أولاً: لأن الاختلاف سنة جبل الله عليها الخلق بدليل قوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }(118) سورة هود.
ثانياً: لأن الوقت الحاضر وقت صراع أيدلوجي بين الأمم تدور رحى الحرب فيها بشكل علني، وخفي، وستكون العاقبة حتماً لمن هو على الحق والمطلوب حالياً تطبيق مبادئ حقوق الإنسان في البلاد الإسلامية بشكل صحيح حتى نثبت للعالم أننا نستحق أن نكون قدوة في ذلك عندها سنجد أن تعاليم الإسلام في مجال حقوق الإنسان هي الأصلح لكل دول العالم على الرغم من اختلاف دياناتهم. (الشقحاء، 1427ه: موقع صحيفة الجزيرة)

ب/ موقف منظمة المؤتمر الإسلامي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

تأكيدا للدور الحضاري والتاريخي للأمة الإسلامية التي جعلها الله خير أمة أورثت البشرية حضارة عالمية متوازنة ربطت الدنيا بالآخرة وجمعت بين العلم والإيمان، وما يرجى أن تقوم به هذه الأمة اليوم لهداية البشرية الحائرة بين التيارات والمذاهب المتناقضة وتقديم الحلول لمشكلات الحضارة المادية المزمنة.
ومساهمة في الجهود البشرية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تهدف إلي حمايته من الاستغلال والاضطهاد وتهدف إلي تأكيد حريته وحقوقه في الحياة الكريمة التي تتفق مع الشريعة الإسلامية.
وثقة منها بأن البشرية التي بلغت في مدارج العلم المادي شأنا بعيدا، لا تزال، وستبقي في حاجة ماسة إلي سند إيماني لحضارتها وإلي وازع ذاتي يحرس حقوقها.
وإيمانا بأن الحقوق الأساسية والحريات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين لا يملك أحد بشكل مبدئي تعطيلها كليا أو جزئيا، أو خرقها أو تجاهلها في أحكام إلهية تكليفية أنزل الله بها كتبه، وبعث بها خاتم رسله وتمم بها ما جاءت به الرسالات السماوية وأصبحت رعايتها عبادة، وإهمالها أو العدوان عليها منكرا في الدين وكل إنسان مسؤول عنها بمفرده، والأمة مسؤولة عنها بالتضامن، وأن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تأسيسا علي ذلك تعلن ما يلي:

 

المادة 1

أ- البشر جميعا أسرة واحدة جمعت بينهم العبودية لله والنبوة لآدم وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف والمسؤولية دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللون أو اللغة أو الجنس أو المعتقد الديني أو الانتماء السياسي أو الوضع الاجتماعي أو غير ذلك من الاعتبارات. وأن العقيدة الصحيحة هي الضمان لنمو هذه الكرامة علي طريق تكامل الإنسان.
ب- أن الخلق كلهم عيال الله وأن أحبهم إليه أنفعهم لعياله وأنه لا فضل لأحد منهم علي الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.

المادة 2

أ- الحياة هبة الله وهي مكفولة لكل إنسان، وعلي الأفراد والمجتمعات والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه، ولا يجوز إزهاق روح دون مقتض شرعي.
ب- يحرم اللجوء إلي وسائل تفضي إلي إفناء الينبوع البشري.
ج- المحافظة علي استمرار الحياة البشرية إلي ما شاء الله واجب شرعي.
د- سلامة جسد الإنسان مصونة، ولا يجوز الاعتداء عليها، كما لا يجوز المساس بها بغير مسوغ شرعي، وتكفل الدولة حماية ذلك.

المادة 3

أ- في حالة استخدام القوة أو المنازعات المسلحة، لا يجوز قتل من لا مشاركة لهم في القتال كالشيخ والمرأة والطفل، وللجريح والمريض الحق في أن يداوي وللأسير أن يطعم ويؤوى ويكسى، ويحرم التمثيل بالقتلى، ويجب تبادل الأسري وتلاقي اجتماع الأسر التي فرقتها ظروف القتال.
ب- لا يجوز قطع الشجر أو إتلاف الزرع والضرع أو تخريب المباني والمنشآت المدنية للعدو بقصف أو نسف أو غير ذلك.

المادة 4

لكل إنسان حرمته والحفاظ علي سمعته في حياته وبعد موته وعلي الدول والمجتمع حماية جثمانه ومدفنه.

المادة 5

أ- الأسرة هي الأساس في بناء المجتمع، والزواج أساس تكوينها وللرجال والنساء الحق في الزواج ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية.
ب- علي المجتمع والدولة إزالة العوائق أمام الزواج وتيسير سبله وحماية الأسرة ورعايتها.

المادة 6

أ- المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية، ولها من الحق مثل ما عليها من الواجبات ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها.
ب- علي الرجل عبء الإنفاق علي الأسرة ومسئولية رعايتها.

المادة 7

أ- لكل طفل عند ولادته حق علي الأبوين والمجتمع والدولة في الحضانة والتربية والرعاية المادية والصحية والأدبية كما تجب حماية الجنين والأم وإعطاؤهما عناية خاصة.
ب- للآباء ومن يحكمهم، الحق في اختيار نوع التربية التي يريدون لأولادهم مع وجوب مراعاة مصلحتهم ومستقبلهم في ضوء القيم الأخلاقية والأحكام الشرعية.
للأبوين علي الأبناء حقوقهما وللأقارب حق علي ذويهم وفقا لأحكام الشريعة.

المادة 8

لكل إنسان التمتع بأهليته الشرعية من حيث الإلزام والالتزام وإذا فقدت أهليته أو انتقصت قام وليه - مقامه.

المادة 9

أ- طلب العلم فريضة والتعليم واجب علي المجتمع والدولة وعليها تأمين سبله ووسائله وضمان تنوعه بما يحقق مصلحة المجتمع ويتيح للإنسان معرفة دين الإسلام وحقائق الكون وتسخيرها لخير البشرية.
ب- من حق كل إنسان علي مؤسسات التربية والتوجيه المختلفة من الأسرة والمدرسة وأجهزة الإعلام وغيرها أن تعمل علي تربية الإنسان دينيا ودنيويا تربية متكاملة متوازنة تنمي شخصيته وتعزز إيمانه بالله واحترامه للحقوق والواجبات وحمايتها.

المادة 10

الإسلام هو دين الفطرة، ولا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه علي الإنسان أو استغلال فقره أو جهله علي تغيير دينه إلي دين آخر أو إلي الإلحاد.

المادة 11

أ- يولد الإنسان حرا وليس لأحد أن يستعبده أو يذله أو يقهره أو يستغله ولا عبودية لغير الله تعالي.
ب- الاستعمار بشتى أنواعه وباعتباره من أسوأ أنواع الاستعباد محرم تحريما مؤكدا وللشعوب التي تعانيه الحق الكامل للتحرر منه وفي تقرير المصير، وعلي جميع الدول والشعوب واجب النصرة لها في كفاحها لتصفية كل أشكال الاستعمار أو الاحتلال، ولجميع الشعوب الحق في الاحتفاظ بشخصيتها المستقلة والسيطرة علي ثرواتها ومواردها الطبيعية.
ج- للأبوين علي الأبناء حقوقهما وللأقارب حق علي ذويهم وفقا لأحكام الشريعة.

المادة 12

كل إنسان الحق في إطار الشريعة في حرية التنقل، واختيار محل إقامته داخل بلاده أو خارجها وله إذا اضطهد حق اللجوء إلي بلد آخر وعلي البلد الذي لجأ إليه أن يجيره حتى يبلغه مأمنه ما لم يكن سبب اللجوء اقتراف جريمة في نظر الشرع.

المادة 13

العمل حق تكفله الدولة والمجتمع لكل قادر عليه، وللإنسان حرية اختيار العمل اللائق به مما تتحقق به مصلحته ومصلحة المجتمع، وللعامل حقه في الأمن والسلامة وفي كافة الضمانات الاجتماعية الأخرى. ولا يجوز تكليفه بما لا يطيقه، أو إكراهه، أو استغلاله، أو الإضرار به، وله -دون تمييز بين الذكر والأنثى- أن يتقاضى أجرا عادلا مقابل عمله دون تأخير وله الاجارات والعلاوات والفروقات التي يستحقها، وهو مطالب بالإخلاص والإتقان، وإذا اختلف العمال وأصحاب العمل فعلي الدولة أن تتدخل لفض النزاع ورفع الظلم وإقرار الحق والإلزام بالعدل دون تحيز.

المادة 14

للإنسان الحق في الكسب المشروع، دون احتكار أو غش أو إضرار بالنفس أو بالغير والربا ممنوع مؤكدا.

 

 

المادة 15

أ- لكل إنسان الحق في التملك بالطرق الشرعية، والتمتع بحقوق الملكية بما لا يضر به أو بغيره من الأفراد أو المجتمع، ولا يجوز نزع الملكية إلا لضرورات المنفعة العامة ومقابل تعويض فوري وعادل.
ب- تحرم مصادرة الأموال وحجزها إلا بمقتضى شرعي.

المادة 16

لكل إنسان الحق في الانتفاع بثمرات إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني أو التقني. وله الحق في حماية مصالحه الأدبية والمالية العائدة له علي أن يكون هذا الإنتاج غير مناف لأحكام الشريعة.

المادة 17

أ- لكل إنسان الحق في أن يعيش بيئة نظيفة من المفاسد والأوبئة الأخلاقية تمكنه من بناء ذاته معنويا، وعلي المجتمع والدولة أن يوفرا له هذا الحق.
ب- لكل إنسان علي مجتمعه ودولته حق الرعاية الصحية والاجتماعية بتهيئة جميع المرافق العامة التي تحتاج إليها في حدود الإمكانات المتاحة.
ج- تكفل الدولة لكل إنسان حقه في عيش كريم يحقق له تمام كفايته وكفاية من يعوله ويشمل ذلك المأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج وسائر الحاجات الأساسية.

المادة 18

أ- لكل إنسان الحق في أن يعيش آمنا علي نفسه ودينه وأهله وعرضه وماله.
ب- للإنسان الحق في الاستقلال بشؤون حياته الخاصة في مسكنه وأسرته وماله واتصالاته، ولا يجوز التجسس أو الرقابة عليه أو الإساءة إلي سمعته وتجنب حمايته من كل تدخل تعسفي.
ج- للمسكن حرمته في كل الأحوال ولا يجوز دخوله بغير إذن أهله أو بصورة غير مشروعة، ولا يجوز هدمه أو مصادرته أو تشريد أهله منه.

المادة 19

أ- الناس سواسية أمام الشرع، يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم.
ب- حق اللجوء إلي القضاء مكفول للجميع.
ج- المسؤولية في أساسها شخصية.
د- لا جريمة ولا عقوبة إلا بموجب أحكام الشريعة.
هـ- المتهم برئ حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة تؤمن له فيها كل الضمانات الكفيلة بالدفاع عنه.

المادة 20

لا يجوز القبض علي إنسان أو تقييد حريته أو نفيه أو عقابه بغير موجب شرعي. ولا يجوز تعريضه للتعذيب البدني أو النفسي أو لأي من أنواع المعاملات المذلة أو القاسية أو المنافية للكرامة الإنسانية، كما لا يجوز إخضاع أي فرد للتجارب الطبية أو العلمية إلا برضاه وبشرط عدم تعرض صحته وحياته للخطر، كما لا يجوز سن القوانين الاستثنائية التي تخول ذلك للسلطات التنفيذية.

المادة 21

أخذ الإنسان رهينة محرم بأي شكل من الأشكال ولأي هدف من الأهداف.

المادة 22

أ- لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية.
ب- لكل إنسان الحق في الدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقا لضوابط الشريعة الإسلامية.
ج- الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك أو الانحلال أو الضرر أو زعزعة الاعتقاد.
د- لا يجوز إثارة الكراهية القومية والمذهبية وكل ما يؤدي إلي التحريض علي التمييز العنصري بكافة أشكاله.

المادة 23

أ- الولاية أمانة يحرم الاستبداد فيها وسوء استغلالها تحريما مؤكدا ضمانا للحقوق الأساسية للإنسان.
ب- لكل إنسان حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن له الحق في تقلد الوظائف العامة وفقا لأحكام الشريعة.

المادة 24

كل الحقوق والحريات المقررة في هذا الإعلان مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية.

المادة 25

الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد هذه الوثيقة

(مكتبة حقوق الإنسان، موقع إلكتروني)


ج/ وجهة نظر التربية الإسلامية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

عد كتاب الباحث العراقي علي القاسمي والمعنون بـ: "حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والإعلان العالمي" (الصادر عن سلسلة المعرفة للجميع، العدد 22 - الدار البيضاء - المغرب)، من البحوث العلمية التي قاربت إشكالية حقوق الإنسان بين منظورين: القيم الغربية - التي يعتبرها الغرب ومعهم العلمانيون العرب قيمًا كونية عليا - في مقابل القيم والحقوق المنبثقة من الشريعة الإسلامية - التي تعد في نظر هؤلاء قيمًا محلية وثانوية - لكن هذا الكتاب القيم حاول باحترافية عالية وضع مقارنة علمية على ضوء مركزات أساسية: من حيث المصطلح، وطبيعة الحق، والمخاطب، والمرجعية، والالتزام والدوافع، والنطاق والشمولية 

إذًا، منذ أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 10 ديسمبر / كانون الثاني 1948، والدول الغربية تعده جزءًا من تراثها القانوني، ونتاجًا من معطيات حضارتها، وعنوانًا لتقدمها، من هذا المنطلق سلطت كاميراتها على الإسلام، ووصَمَتهْ بأنه يمثل "خرقًا حقيقيًّا لحقوق الإنسان!" بزعم عدم المساواة بين المرأة والرجل في الشريعة الإسلامية، وبدعوى عدم احترام بعض الدول الإسلامية للحريات العامة، أو قيامها بممارسات تتنافى وروح الديمقراطية .

ولمحاولة إزالة الغبش والتشويه، الذي تلحقه المؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية بقيم حقوق الإنسان في الإسلام، قام صاحب الكتاب الدكتور علي القاسمي بتشريح الدراسة إلى خمسة أبواب رئيسة:

ركز فيه على تعريف مفهوم حقوق الإنسان في الوقت الحاضر.-

حقوق الإنسان في الإعلان العالمي.-

 .-حقوق الإنسان في الإسلام

مقارنة بين حقوق الإنسان في الإعلان العالمي وحقوق الإنسان في الإسلام.-

الخلاصة والاستنتاجات. -

رغم البون الشاسع بين التشريع الرباني والتشريع البشري/ شتان بين الثرى والثريا،شتان بين المنزلتين، فأنى لنور السهى من شمس الضحى؟! لكن فيهذا المقال ركز الباحث - تجاوزًا - على "البعد المقارناتي" بين حقوق الإنسان في الإسلام وحقوق الإنسان في الإعلان العالمي من خلال القضايا الآنفة الذكر، نعرض لها في هذا الجدول بشكل مبسط للاستيعاب والفهم الدقيق (الألوكة، 2016م). 

   

التكليف الرابع

حق المساواة بين الناس ويشمل الآتي:

1/ واقع المساواة بين الناس في القرن الواحد والعشرين في القانون الوضعي.

2/ حق المساواة في الإسلام والواقع العلمي له. 

       يعتبر الحق في المساواة أحد أهم حقوق الإنسان، وهو مبدأ أساسي في جميع دول العالم، وحق أساسي في القانون الدولي الوضعي؛ إذ يتمثل هذا الحق بتمتع الفرد بجميع الحقوق والحريات الأخرى على قدم المساواة مع غيره من الأفراد؛ أي أن جميع الأشخاص سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متساوية ضدّ أيّ تمييز، ويجب أن ينطبق مبدأ المساواة وعدم التمييز على جميع أوجه النشاط الفردي والمجتمعي، وهو حق عام تتفرع عنه حقوق الإنسان الأخرى.

      إنَّ كلمة المساواة عامة وشاملة وهي من المبادئ السامية، والشعارات الجميلة التي ينادي بها العلماء والمصلحون.

معنى المساواة :

      المساواة في اللغة : مصدر: ساواه يساويه ، إذا ماثله ، وعادله.

والناس متساوون في أصل الخلقة ، فإنهم يرجعون لآدم ، وآدم من تراب.

"والمراد من حق المساواة - كحق أساسي من حقوق الإنسان - هو المساواة أمام الشرع والقانون أي من ناحية الحقوق والواجبات، والمشاركة في الامتيازات والحماية دون تفضيل ،لعرق، أو جنس، أو صفة، أو لون، أو نسب، أو طبقة، أو دين أو مال، فالناس أمام الشرع سواء، ولهم جميع الحقوق، ويخضعون لجميع الأحكام، ويمارسون نفس الصلاحيات، وهذه المساواة لم تكن مقررةً في معظم الأنظمة والشرائع قديماً. (الزحيلي، 1418ه: 151).

      المساواة في الاصطلاح: هو "أن يكون للمرء مثل ما لأخيه من الحقوق وعليه مثل ما عليه من الواجبات دون زيادة أو نقصان" (بن حميد وآخرون، 1413ه، ج7، ص: 2795).

     وجاء الإسلام بهذا المبدأ العظيم وساوى فيه بين الناس كلهم ولم يميز أحد منهم على الآخر بأي نوع من أنواع التمييز فالكل سواء ولا فرق بينهم وخصوصاً في الطبيعة البشرية والأصل المخلوقين منه، حيث كل البشر من آدم وآدم من تراب، ولكن يكون التمييز والتفاضل بأمور خارجية يكتسبها الإنسان في هذه الحياة كالعلم والأخلاق والقرب من الله تعالى كما في الآية الكريمة السابقة إن الأفضلية بين البشر تكون على أساس أكثركم لله تقوى.

أ- واقع المساواة بين الناس في القرن الواحد والعشرين في القانون الوضعي:

       كان من أهم المبادئ والشعارات التي نادت بها الثورة الفرنسية، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن فيها، حق المساواة بين الأفراد ؛ الذي ترك آثاراً كبيرة في النفوس.

       وجاء ميثاق الأمم المتحدة فقال في مقدمته: "أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد ،وقدره وبما للرجال والنساء، والأمم كبيرها وصغيرها : من حقوق متساوية ونصَّتِ المادة الثانية من الميثاق على أن تقوم المنظمة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أ أعضائها» . وجاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «إن الاعتراف بالكرامة المتأصلة أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية، والعدل والسلام في «العالم ثم قرر في المادة الأولى حق المساواة، فقالت: «يُولدُ جميعُ الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق"، ثم نصت المادة الثانية على ما يلي: لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز كالتمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو الميلاد، أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.

      وأهم اتفاقية دولية صدرت عن الدول لتأكيد قرار وإعلان الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ (١٩٦٣/١٠/٢٠م) وهي الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التمييز العنصري، وجاءت في ديباجة مسهبة وخمس وعشرين مادة، وتؤكد ضرورة إزالة التمييز العنصري بسرعة في كافة أنحاء أشكاله ومظاهره ؛ تقريراً لكرامة الإنسان، وضمان احترامها .

ب- حق المساواة في الإسلام والواقع العلمي له:

      قرر الإسلام مبدأ المساواة بين الناس في أكمل صوره وأمثل أوضاعه، واتخذه دعامة لجميع ما سنه من نظم لعلاقات الأفراد بعضهم مع بعض، وطبقه في جميع النواحي التي تقتضى العدالة الاجتماعية وتقتضى كرامة الإنسان أن يطبق في شئونها : فأخذ به فيما يتعلق بتقدير القيمة الإنسانية المشتركة بين أفراد الآدميين ؛ وأخذ به فما يتعلق بالحقوق المدنية وشئون المسئولية والجزاء والحقوق العامة كحق العمل وحق التعلم والثقافة ؛ وأخذ به فيما يتعلق بشئون الاقتصاد  وأقامه في كل ناحية من هذه النواحي الثلاث على قواعد واضحة متينة تكفل حمايته من العبث والانحراف، وتتيح له تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من خير للأفراد والجماعات (وافي، د.ت: 6).

من مجالات المساواة:

المساواة في أصل الخلقة:

       البشر خلقوا من نفس واحدة، وهي حقيقة لأن رب العالمين سبحانه حدثنا بها، قال تعالى: ( يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (سورة النساء:1)، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( كلكم لأدم وآدم من تراب ).

        والإسلام قد ساوى بين جميع أفراد البشر في التكريم، قال تعالى:( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا). (سورة الإسراء:71).

فالإسلام قد أبرز التساوي في هذه الأمور، فيترتب على هذا أن يكون الناس كلهم سواسية فيما يكلفون به من واجبات، وما منحهم الله من حقوق.

المساواة مع اختلاف الأصول:

      إن الإسلام ساوى بين الناس على اختلاف أصولهم وأنسابهم.. وهدم النعرات الجاهلية من التفاخر بالأحساب والأنساب، فلا فرق بين سيد وعبد ولا بين أبيض وأسود فالكل في نظر الإسلام سواء.

      وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم  بما يجعل هذه المساواة أمراً واقعاً، فقد ولى بلالاً المدينة وفيها من وجوه الناس وجلتهم من ليس يتردد في فضلهم أحد، وأمر أسامة بن زید - وهو مولى - على جيش كان فيه أبو بكر وعمر وهما من هما نسباً وحسباً وشرفاً.

المساواة بين الأغنياء والفقراء :

      التفرقة بين الناس على حسب المكانة الاجتماعية كانت مسألة شائعة بين الناس قديماً وبقيت لها أثارة في فهم الناس وحياة المجتمعات حتى في الكثير من بلاد المسلمين.

      مع أن الإسلام أقام المساواة بين الناس على اختلاف مستوياتهم المادية أو طبقاتهم فقال سبحانه: ﴿يَا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْتَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْتَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَنْقَنَكُمْ [الحجرات: ١٣].

المساواة في تطبيق الشرع عليهم:

      وإذا كان الناس أمام الإسلام متساوين في القيمة الإنسانية فلا بد أن يكونوا متساوين في تطبيق شرع الله عليهم لا يستثنى من ذلك أحد مهما يكن منصبه أو جاهه أو شرفه أو نسبه.


التكليف الخامس

حق حرية الرأي، ويشمل الآتي:

أ- مفهوم حرية الرأي لغة واصطلاحا.

ب- حرية الرأي في النظم الوضعية الحديثة.

ت- حرية الرأي في الإسلام.

ث- المجالات التربوية لحرية الرأي في الإسلام وضوابطها:

حرية العقيدة – حرية التفكير  - حرية نظم الحكم  - حرية الوجدان  حرية التملك  - حرية التنقل والإقامة.

ج- المضمون التربوي للحرية من وجهة نظر الإسلام.

  

مفهوم حرية الرأي لغة واصطلاحا

      معنى الحرية :الحرية : كلمة حلوة ، جميلة المعنى والمبنى ، لها بريق ساحر أخَّاذ ، جعل كل الناس يحبونها ، ويتغنون بها، ويسعون إليها.

      والحرية في أصل اللغة تدل على النفاسة ، والخلوص من الشوائب واللؤم، وقد استعملها القرآن في هذا المعنى عند الحديث عن أم مريم . قال تعالى : ( إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِني إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العليم).

     محرراً : أي خالصاً لك من جميع شوائب الدنيا. والحرية من الأشياء : أفضلها. يقال : رجل حر : أي كريم. وفرس حر : أي عتيق الأصل . وذهب حر : أي خالص من الشوائب، وسحابة حرة: أي كثيرة المطر . وهذا من حر الكلام : أي من حسنه وجميله. قال النووي: وحر كل شيء أفضله، وأرفعه.

     والحر في اصطلاح الفقهاء : من خلصت ذاته من شائبه الرق والملك.

     والحرية هي الأصل في الإنسان، وعليه جاء قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احراراً). إن الحرية تعني الخلاص من عوامل الضغط والإكراه والتسلط، ومن مثالب اللؤم والخسة، وشنائع المسالك في القول والعمل، في السر والعلن، والحرية على هذا عنوان الفخر وسمة الفضل وبرهان الرقي والتقدم.

حرية الرأي والتفكير والتعبير:

      الرأي: الاعتقاد، والعقل، والتدبير، والنظر، والتأمل. والرأي عند الأصوليين: استنباط الأحكام الشرعية في ضوء قواعد مقررة، أما الفكر، فهو إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول، والفكرة : الصورة الذهبية لأمر ما، وتجمع على فكر.  والتعبير: الإعراب والبيان بالكلام عما في النفس، يقال: عبر عما في نفسه: أعرب وبين بالكلام.

ب- حرية الرأي في النظم الوضعية الحديثة:

       الحق في حرية التعبير في دساتير بعض الدول: الدستور هو مجموع القواعد القانونية التي تحدد نظام الحكم في الدولة، فلكل دولة دستورها الخاص بها سواء كان مكتوبا أو غير مكتوب كبريطانيا، وتمتاز بعض الدساتير بمرونة أي بجواز تعديلها بقانون تصدره الهيئة التشريعية أو التنفيذية في الدول دون حاجة إلى إجراءات معقدة مثل استفتاء الشعب أو إجماع مجلس النواب أو أغلبية الثلثين أو الثلاثة أرباع, ولاريب أن معظم الدساتير تحتوي على فصول خاصة بالحقوق والحريات, ومنها الحق في حرية التعبير.

حرية الرأي في الإسلام.

        جاء الإسلام بمحاسن الأخلاق ودعاء إليها والعمل بها ومن هذه المحاسن حرية التعبير أو حرية الرأي التي يعبر عنها القرآن الكريم والسنة النبوية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك المشاركة في التشاور وإبداء الرأي.

       وتعد الشريعة الإسلامية السباقة في منح الإنسان الحق في حرية التعبير ، بل و الأكثر من ذلك شجعته على ممارسة هذا الحق بشرط آلا يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر بغيره أو بأمته ودولته. وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم في الحث على إبداء الرأي والوقوف بجانب الحق والعدل " ولْتكُن منكُم أُمة يدعونَ ِإَلى الْخيرِ ويأْمرونَ ِبالْمعروف وينهونَ عنِ الْمنكَرِ".

المجالات التربوية لحرية الرأي في الإسلام وضوابطها:

حرية العقيدة: جاء الإسلام بكل الخصال الحسان وسبق بذلك كل الأنظمة والقوانين ودعاء إلى مكارم الأخلاق ومعالي الأمور واحترام كل الناس وتكريمهم ولم يكره أحد في الدخول فيه عنوتاً وغصبا حيث قال الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (سورة البقرة: 256).

حرية التفكير:

       إن دعوة الإسلام للبشرية، دعوة تريد عقلاً وقلبًا واعيًا وفكرًا عاملاً وعيناً متأملة، فالإسلام دين الفطرة، والذي ينظر بعين التفكر والتأمل إلى دفتي الشريعة الإسلامية، والمتمثلة في القرآن الكريم والسنة المطهرة يجد يقيناً جازمًا بداخله، بأن الإسلام يبني عقيدته بأساس التدبر والفهم وإعمال العقل والتفكر في آلاء الله، فإنه يخاطب اللب والعقل وذلك حتى يتخلل اليقين بداخل الإنسان، والذي هو ثمرة التفكير الحق والتدبر الواعي والفهم العميق والتأمل الجاد (عوض، 2010، ص:87).

حرية نظم الحكم.

۱ - حق كل إنسان في ولاية الوظائف الإدارية صُغراها وكبراها ما دام بكفايته أهلاً لتوليها .

٢ - حق كل إنسان أن يبدي رأيه في سير الأمور العامة وتخطئتها أو تصويبها وفق ما يعتقد وأضاف فقهاء الإسلام إلى الأمرين السابقين بعض الأمور توضحها مثلاً:

أ - حرية اختيار رئيس الدولة أو الخليفة ويقوم بهذا الاختيار أهل الحل والعقد، وترك شكل الاختيار ليتناسب مع كل واقع بما يحقق الهدف ويخدم الصالح العام.

ب - حرية إبداء الرأي (الشورى) على كل المستويات بالأسلوب الأمثل.

ج- حرية المعارضة ونقد الحكم في حدود الأدب الإسلامي والمصلحة العامة.

د- حرية حتى من رئيس الدولة، ومثول الجميع أمام القضاء (عيطة، 2005، ص: 94).

حرية الوجدان:

      الإسلام أعطى للإنسان حرية ما في ضميره ووجدانه ومشاعره وأحاسيسه بل وتسامح معه الشرع ولم يؤاخذ بذلك والشاهد حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تجاوز لأمتي عما وسوست به أنفسها أو حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به" (البيهقي، ١٤٢٣ ه، ج1، 512).

       وذلك التجاور مرهون بعدم القول أو العمل بما في الضمير والوجدان، ولكن الأكمل للإنسان المسلم أن يربي نفسه وضميره على الإيجابية وأن يطهر هذا النفس من وساوس الشيطان ومن الأفكار التي قد تمرضه وتؤثر على مشاعره، وعليه بتنقيه ذلك القلب الذي هو محل نظر الله عز وجل.

حرية التملك:

       الحديث عن الملكية يُعد من أبرز الأمور المالية في حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت هو حديث عن أحد أكثر حقوق الإنسان المعترف بها إثارة للجدل والخلاف بين الأنظمة الاقتصادية، فثمة اختلاف بين المختصين والدارسين حول طبيعتها. يضاف إلى ذلك أنه ليس من الحقوق المطلقة، لأنه يخضع في بعض الاتفاقيات الدولية لبعض من القيود في بعض الحالات.

       إن النصوص الإسلامية حول إعطاء حق الملكية وتحريم الاعتداء عليها متعددة ووفيرة، ومن الواضح أن لهذه الشريعة نظامها الاقتصادي المتكامل، وهي تعطي بوضوح حق التملك للأفراد، وتحرم انتزاع الأملاك تعسفا من أصحابها.

حرية التنقل والإقامة:

يظهر من طبيعة الإنسان أنه يحبُّ الانتقال من مكان إلى مكان لأهداف عدة، وقد اعتاد الإنسان التنقل من أرض إلى أرض طلباً للرزق، وتتبعاً لمنابت الكلأ والماء، والإسلام لم يفرض التنقل فقط ، بل أمر به لغايات نبيلة كثيرة، منها :

۱ - النظر في ملكوت الله والبحث في الكون للوصول إلى معرفة عظمة الله تعالى، وفضله على الإنسان، وبالتالي إلى زيادة الإيمان والخضوع، والاستسلام، والشكر الله تعالى، قال عز وجل : قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [العنكبوت : ٢٠/٢٩].

٢- السياحة في الأرض، والنظر في آثار الأمم الخالية، وما أصابها بسبب ظلمها، وتكذيبها لآيات الله، وكتبه ورسله، وقد أمر الله تعالى في آيات كثيرة بالسير في الأرض لبيان عاقبة الأمم السالفة، فقال تعالى: ﴿أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَنقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خير [يوسف: ۱۰۹/۱۲] .

3- طلب الرزق في أرجاء الأرض : التي خلقها الله للإنسان، وقدر فيها أقواتها، وأمره بالسعي فيها لكسب القوت، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذلولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزْقِهِ، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك : ١٥/٦٧] . وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَأَنتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ ).

٤- كما يكون التنقل والسفر لطلب العلم والجهاد، وأداء فريضة الحج والعمرة ولأسباب متعددة، سواء كانت خاصة أو عامة فردية أو جماعية، داخلية أو خارجية.

المضمون التربوي للحرية من وجهة نظر الإسلام:

        إن كمال حرية النفس الإنسانية في عبوديته لله تعالى وتوحيده والانقياد لتعاليمه وشريعته. وتربية النفس الإنسانية على الانضباط بما جاءت به الشريعة الإسلامية هو عين الحرية من عبودية النفس للهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء.

 

التكليف السادس

حق الحياة:

واقع هذا الحق قبل الإسلام - صيانة حق الحياة في الإسلام.

(1) تحريم قتل الغير بدون وجه حق.

(ب) حرم الإسلام أن يقتل الإنسان نفسه.

(ت) جعل الإسلام للجنين في بطن أمه حرمه.

(ث) المضمون التربوي لهذا الحق.

 

حق الحياة:

       خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه، وأعطاه مجموعةً من الحقوق والواجبات ليحكم حياته ويرتقي بها خلافاً لسائر المخلوقات الأخرى، ويعتبر الحق في الحياة هو الأساس الذي تُبنَى عليه باقي الحقوق، كما ينبغي الإشارة إلى أنّ الشريعة الإسلامية قد كفلت حق الحياة لجميع من هم على وجه المعمورة بشراً كانوا أم غير ذلك، فلا ينبغي الاعتداء على شيءٍ من المخلوقات إلا بوجهٍ شرعي، وقد فرضت الشريعة الإسلامية لأجل الحفاظ على ذلك الحق العديد من الأحكام، وسنّت العديد من العقوبات لمن يتعدّى على ذلك الحق.

واقع حق الحياة قبل الإسلام:

        ومن البديهي أن يكفل حق الإنسان في الحياة، لكن هذا الحق لم يكن قبل الإسلام معترفاً به لجميع الناس، فقد كانت بعض الشرائع القديمة تجيز قتل الأرقاء وتولي رئيس العائلة حق الحياة والموت على أفرادها لما كان الحال عند الرومان، أو قيام الوالد بوأد بناته عند الولادة، كما كان الحال في عصر الجاهلية.

صيانة حق الحياة في الإسلام:

الحياة من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان وحق الحياة والمحافظة عليها مكفولة بالشريعة الإسلامية لكل إنسان لأنها هبة الخالق عز وجل واستردادها يخضع لمشيئته.

فمما لا شك فيه أن الإنسان لا يكون له وجود إلا إذا خلقه الله تعالى ومنحه الحياة بنفخ الروح فيه، وحق الإنسان في الحياة يعد امتثالا لأمر الله تعالى من ناحيتين :

أ-ناحية البدء، ذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أعطى الإنسان الحياة وجعله فردا حيا.

ب-ناحية الاستمرار حيث طلب الله تعالى من الإنسان أن يحافظ على هذا الحق حيث يسترده منه الموت.

      فقد جعلت الشريعة الإسلامية الحق في الحياة من حيث الاعتبار وقوة الاثر من مقاصدها الأساسية التي تدور أحكامها كلها عليها، بل إن حق الحياة يعد المقصد الأول الذي ترد إليه سائر المقاصد الأساسية في هذه الشريعة، يعد المحافظة على الدين لتوقفها جميعا على الإنسان نفسه فكان طلب المحافظة على حياته في أعلى مراتب التكليف سواء بالنسبة إلى المكلف نفسه أو في مواجهة الكافة.

تحريم قتل النفس بغير حق:

      من مظاهر حفظ الإسلام وحمايته لحقِّ الحياة لجميع الناس أن جعل قتل النفس مُحرّماً إلا بوجه حق، فلا يجوز الاعتداء على النفس البشرية مطلقاً إلا إن كان هناك مبررٌ شرعي لذلك الاعتداء، كما لا يجوز تنفيذ حكم القتل لمستحقٍ له أو الاعتداء على أحدٍ من الناس إلا بطريق الحاكم، الذي وُجد لتطبيع أحكام الله في الأرض، قال الله سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ)، وذلك دليلٌ على احترام الإسلام واهتمامه بحق الحياة لكل نفسٍ بشرية، مسلمةً كانت أو غير مسلمة، كما جعل الإسلام من يقتل شخصاً واحداً أو يُزهق روحه بأي وسيلة كأنّما قتل جميع خلق الله، قال تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)، ليس ذلك فقط؛ بل إن الإسلام قد حرَّم كل ما يؤدي إلى إيذاء النفس البشرية ولو كان ذلك الإيذاء بسيطاً، حتى الإيذاء المعنوي فضلاً عن أن يصل الأمر إلى القتل، فحرَّم التهديد بالقتل واعتبره من الجرائم العظيمة التي تستوجب العقوبة.

    وفي ذلك يقول تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق دلكم وصاكم به لعلكم تعقلون). ويحدد الإمام الطبري مفهوم (الحق) في هذه الآية فيقول ( وحقها ألا تقتل إلا بكفر بعد اسلام أو زنا بعد إحصان ، أو قود بنفس وإن كانت كافرة لم يتقدم كفرها إسلام وألا يكون تقدم قتلها عهد وأمان) ويؤيد هذا القول المصطفى عليه السلام “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلى بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة “.

حرم الإسلام أن يقتل الإنسان نفسه.

إن الشريعة الإسلامية كما حرمت على المسلم قتل أخيه الإنسان، حرمت عليه كذلك قتله نفسه أو اعتدائه على عضو من أعضاء جسمه ذلك أن من أصول هذه الشريعة، سواء كان ذلك بطريق الانتحار المباشر أو بطريق الانتحار التدريجي بتعاطي ما يؤدي إلى قتل النفس أو الإضرار بها كالمخدرات والتدخين وغير ذلك؛ حيثُ إنّ حياة البشر ليست ملكاً لهم، إنّما هي هبةٌ وهبها الله لهم، وأمانةٌ يجب عليهم الحفاظ وعدم الاعتداء عليها.      

      والإسلام عظيم ودين شامل يضع شرعًا؛ ليحمي به الناس، ويقر هذا الشرع عقوبات رادعة لمن أراد أن يرتكب جرائم القتل، ليس هذا فحسب، وإنما وضع الإسلام عقوبات لمن يقتل نفسه واعتبر جريمة الاعتداء على النفس كجريمة الاعتداء على شخص آخر بالقتل، فقال النبي صلى الله عليه سلم: "من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" (البخاري، ١٤١٤ هـ، ج5، ص:2179).

جعل الإسلام للجنين في بطن أمه حرمه:

        فقد أجمع علماء وفقهاء الأمة على تحريم إجهاض الجنين الذي بلغ من العمر في بطن أمه مقداراً محدداً؛ أي ما بعد نفخ الروح فيه، فلا يجوز الاعتداء على الجنين بإزهاق روحه أو التخلص منه في هذه المرحلة مطلقاً من خلال الإسقاط ما دام الجنين قد تشكَّل في رحم الأم ونُفِخَت الروح فيه؛ لكون الإسلام قد كفل له حقَّ الحياة والبقاء، ومنع الاعتداء عليه؛ إلّا في حالةٍ واحدة هي أن تتعرض الأم لخطرٍ محقق نتيجة ذلك الحمل، أو أصابها خطر طارئ هدّد حياتها؛ كأن تتعرض لحادثٍ، أو تقع وتُصاب بإصابة تهدد حياتها وحياة جنينها، ففي هذه الحالة يجوز الاستغناء عنه في سبيل الإبقاء على حياة الأم التي هي الأصل، أو أن يكون لدى الأم مرضٌ يمنعها من مواصلة حملها، فإن استمرّ حملها تعرضت لخطرٍ مُحقّق، فكذلك يجوز في هذه الحالة التخلص من الجنين وإسقاطه بناءً على تقدير الطبيب المسلم الحاذق، ومن الأمراض التي تهدّد حياة الأم والجنين أن تكون الأم مصابةً بأمراض القلب أو السرطان أو الأمراض المتعلقة بالرحم؛ فيكون السعي إلى الإبقاء على حياة الأم أولى من الإبقاء على حياة الجنين، أمّا إذا تمكّن الأطباء واستطاعوا من إنقاذ الأم وجنينها -إذا أُصيبت بمرضٍ طارئ أو تعرضت لخطر- فيكون ذلك أبلغ وأفضل لا محالة، فإن عجزوا عن ذلك إلا بالاستغناء عن الجنين جاز ذلك مطلقاً.

المضمون التربوي لهذا الحق:

     أن يغرس الآباء والمعلمين في نفوس الأبناء مفهوم حق الحياة وكيفية صيانة هذا الحق، ويحذروهم من قتل النفس دون وجه حق، وتحريم الإسلام أن يقتل الإنسان نفسه، والتحذير من الألعاب الإلكترونية التي تشجع على ذلك.

 

التكليف السابع

حق الإنسان في العيش بأمان.

     حق الإنسان في أن يعيش أمناً على ماله.

    حق الإنسان في أن يعيش أمناً على عرضه.

    حق الإنسان في أن يعيش أمناً في سكنه.

    المضمون التربوي لهذا الحق.

 

حق الإنسان في العيش بأمان:

       الأمن أو الأمان ضد الخوف. وهو يستعمل في سكون القلب. أي راحته وطمأنينته، ومنه الآمن أي المطمئن غير الخائف. أمن البلد. أي اطمأن أهله. وفيه قوله تعالي: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِين﴾ (التين:3). أي البلد الآمن. من الأمن وقوله تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف﴾ (قريش:4).

      ولقد أمر الإسلام بإقامة الحق والعدل بين الناس وجعله وظيفة الرسل جميعاً قال سبحانه {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.

     فالعدالة مطلب وحق لكل إنسان وفرض وواجب على كل مسئول، فهذا أمر الله {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}، هذه هي الروح الإيمانية التي ملك الإسلام بها عقول البشر واستولى على قلوبهم بما فيه من المبادئ والأخلاق الفاضلة حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وما أحسن ما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه (ألا إن أضعفكم عندي قوي حتى آخذ الحق منه وأقواكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق له)

حق الإنسان في أن يعيش آمناً على ماله: 

     ولما كان المال عصب الحياة حفظ الإسلام للإنسان حق التملك والتصرف فيما يملك بالطرق المشروعة والكسب الحلال قال تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، وكما حث الإسلام على الكسب الحلال نهى عن المكاسب المحرمة كالربا والغش في المعاملات وأخذ الرشوة وأكل المال بالباطل، وحرم الغصب والسرقة وحرم مصادرة الأموال بغير حق، وجعل للإنسان حق الدفاع عن ماله كالدفاع عنه نفسه وعرضه، فمن قتل دون ماله فهو شهيد.

كما ان للأفراد حرية التصرف في الاموال المملوكة والتعامل فيها سواء بالبيع او الهبة او الوصية  ويراد بحق التملك الاعتراف بحق الملكية الفردية للإنسان وتمكين المالك من سلطة التصرف بالشيء والاستفادة منه واستغلاله، ويصبح المسلم أمنا على ماله وعلى رزقه.  ويقر الإسلام الإشكال المختلفة للملكية في وقت واحد  بدلا من مبدأ الشكل الواحد الذي أخذت به  الرأسمالية و الاشتراكية فهو يؤمن بالملكية الخاصة و الملكية العامة.

  وأقر الإسلام كذلك الملكية العامة للدولة في الأموال التي تعد أساسية لتلبية حاجات الأمة والتي تعد مصدر الثروة, وقد وضع الإسلام ضوابطَ للتصرف في الحرية، وفي حق الإنسان في التصرف بملكيته الخاصة أما المنع من التصرف المطلق بالملك الخاص، فيكون ضمن مصلحة الفرد والمجتمع بآن واحد. فالإسلام إذاً، يؤمن بالملكية الخاصة ضمن حدود، وهي من حق جميع أفراد الشعب وطبقاته وأديانه دون أي تمييز، إلى جانب الملكية العامة وملكية الدولة.

حق الإنسان في أن يعيش آمناً على عرضه:

      ولقد كفل الإسلام للإنسان حقه في حماية نفسه وعرضه وعقله وماله مما لا يجوز انتهاكه أو الاعتداء عليه. فمن اعتدى فهو آثم ويستحق الجزاء الرادع، فعرض المسلم حرام كحرمة دمه وماله قال تعالى {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} وقال سبحانه {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}، فلكل مسلم حق الحماية ولا يُتَّهم في عرضه إلا بالحجة القاطعة، ولا يُعاقب إلا بعد ثبوت الحق عليه ثبوتاً لا شبهة فيه، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته.

      إن توفير الأمن للناس وصيانة حقوقهم من أهم القضايا التي تشغل العالم بأكمله على مر العصور، ولقد عنيت الشريعة الإسلامية بحماية البشر والمحافظة على حقوقهم وأمنهم منذ بزوغ فجر الإسلام وقبل أن تعرف النظم الوضعية ذلك بما يزيد على ألف عام قال تعالى {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، فالأمن من الخوف في نظر الإسلام يعدل الإطعام من الجوع، وكلاهما مما لا يستغني عنه الإنسان ولا بقاء له بدونهما.

حق الإنسان في أن يعيش آمناً في سكنه

     كما جعل الإسلام للإنسان حقاً خاصاً في بيته وبين أهله وذويه قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، فكيف أنت أيها الإنسان مع هذا الأدب الرفيع، وأين أصحاب القوانين من البشر الذين ينادون بحقوق الإنسان والإسلام قد سبق قوانينهم بمئات السنين، والمسلمون منذ صدر الإسلام الأول وهم ينهلون من آدابه وتشريعاته وسماته وأخلاقه، فهو دين رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه تنزيل من حكيم حميد.

ومقتضى ذلك حرمة الاقتحام للبيوت مطلقا و خصوصا في أوقات الراحة أو النوم ومن حق الخصوصية احترام حق الإنسان في سرية مراسلاته و فلا يباح النظر فيها بغير أذن منه.

المضمون التربوي لهذا الحق:

     على الآباء والمربين تربية الأبناء على احترام حقوق الآخرين، وعدم أخذ شيء ليس من حقهم، وأن يغرسوا في نفوسهم حب العمل والبذل والعطاء والكسب الحلال.كما يجب عليهم حث الأبناء على الاستئذان قبل الدخول لأي مكان، وذلك لتعويدهم على أدب الاستئذان، وأن ذلك من أسباب الحرص على أعراض الناس وحرمتهم. أن يحرص المربي القدوة على الامتثال التام بهذه الحقوق، ولا ينتهك شيء منها، فيكون بذلك التصرف يغرس بذرة فاسدة بطريقة غير مباشرة فحينها يستسهل الابن ذلك التعدي والتصرف المنهي عنه شرعاً.

 

 

التكليف الثامن

حق العدل في الإسلام

 (أ) لا تجريم إلا بنص شرعي.

(ب)لا يحكم بتجريم شخص ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه.

(ت)لا يؤخذ الإنسان بجريمة غيره.

(ث)كل إنسان مستقل بمسؤوليته عن أفعاله.

(ج)المضمون التربوي لهذا الحق.

  

حق العدل في الإسلام:

العدل في اللغة:

 "عَدَلَ يَعْدِلُ فهو عادِلٌ من عُدولٍ وعَدْلٍ بلَفْظ الواحِدِ وهذا اسمٌ للجَمع. رجُلٌ عَدْلٌ وامرأةٌ عَدْلٌ وعَدْلَةٌ. وعَدَّلَ الحُكْمَ تَعديلاً: أقامَهُ. والعدل: خلاف الجَوَر. يقال: عَدَلَ عليه في القضيّة فهو عادِلٌ. وبسط الوالي عَدْلَهُ ومَعْدِلَتَهُ. وفلان من أهل المَعْدَلَةِ. وهو ما قام في النفوس أَنه مُسْتقيم" (الرازي، 1420، ص:202).

العدل في الإصلاح:

هو "أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه" (ابن حزم، 1399ه، ص: 33)

يعرف بأنه "عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينا" (الجرجاني، ١٤٠٣هـ، ص:147).

يعرف بأنه: "استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير" (الجاحظ، 1410ه، ص: 28).

وكمال العدل يكون مع كل أحد حتى مع النفس وكذلك الأقارب قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ (النساء: 135).

(أ) لا تجريم إلا بنص شرعي:

     إن الشريعة الإسلامية وضعت نظاما دقيقاً ومتكاملاً للإنسان في هذه الحياة، ولذلك فإن الحلال هو ما أحله الله والحرام ما حرمه. وعلى هذا فإنه لا يجوز تجريم أي فعل إلا إذا ورد تجريمه بنص ٍ شرعيٍ في كتاب الله وسنة رسوله. ومن كمال هذه الشريعة أنها قد سبقت كل القوانين الوضعية حيث وضعت قاعدة شرعية تنص على أنه (لا تجريم إلا بنص شرعي).

     وعلى ذلك "فإنه لا عقوبة إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنص. فالنص يوضح تجريم فعل نوع ما من العمل، وإن قام إنسان بهذا العمل فإنه يُجّرم، ويكون ذلك هو الذنب، فكأن الذنب جاء تالياً لنص التجريم. والعقاب يأتي عقب الجريمة (الشعراوي، 1997، ج2، ص: 1292).

(ب)لا يحكم بتجريم شخص ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه.

       تعد الشريعة الإسلامية السباقة في إرساء العدل بين الناس ووضع الأحكام الزاجرة والمناسبة لكل الأفعال القبيحة ومع ذلك فإنه لا تثبت إدانة أي شخص أو اقتراف أي فعل إلا بعد ثبوته بحقه على أنه قد ارتكبه وفعله ولا يكون ذلك إلا بإحدى أمور: إما بالاعتراف الشخصي على أنه فعله أو شهادة الشهود عليه أو وجود آثار له على موضع الجريمة كالبصمة وغيرها من الأدلة. ولذلك فقد أمر القرآن الكريم بالتثبت في كثير من الأمور حيث قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: 6).

     ومن التثبت جعل الشهود في كثير من القضايا من شروط التجريم وايقاع العقوبة بالجاني، ففي جريمة الزنا ذكر أنه لا بد من الإتيان بأربعة شهود قال تعالى: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ (النساء:15).

وكذلك في حالة التداين والقروض بين الناس لا بد من الإشهاد على ذلك قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ﴾ (البقرة: 282).

وعلى ذلك فإنه إذا ثبت بحق أي شخص ارتكاب محرم أو أي جريمة مما يعاقب عليه الشرع الحنيف فإنها تثبت في حقه العقوبة التي وضعها الشرع لذلك الفعل القبيح.

(ت)لا يؤخذ الإنسان بجريمة غيره.

       ومن عدل الشريعة الإسلامية أنها جعلت كل إنسان مسؤول عن نفسه وما يصدر عنها ولا يعاقب أحد بدل أحد في أي فعل ارتكبه ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ (فاطر: 18). "فكل عليه وزر نفسه، وإن كان أحد قد تسبب في ضلال غيره ووزره، فإن عليه وزر التسبب من غير أن ينقص من وزر المباشر شيء (السعدي، ١٤٢٠ه، 282).

قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ (فصلت: 46). قال تعال: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ (النجم: 39). وقوله ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ (النساء: 123). وقوله ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ (المدثر: 38).

      وعلى هذا المبدأ أن الشخص هو وحده المسؤول عن جنايته نفسه ولا يتحمل غيره وزر فعلٍ ارتكبه هو. فلا يؤاخذ بالفعل إلا فاعله ولا يؤاخذ أحد بجريمة غيره مهما كانت درجة قرابته منه أو علاقته به. وما ذلك إلا من عدل الإسلام الذي جاء يدعو الناس إلى الصراط المستقيم.

(ث)كل إنسان مستقل بمسؤوليته عن أفعاله.

      كل إنسان مسؤول عن تصرفاته وأفعاله لوحده لا يحمل عنه أحد شي منها لذلك قال الله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: 36). "فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته" (السعدي، ١٤٢٠هـ، ص: 457) أن يستشعر أنه سيحاسب عليها كلها إن خيراً فخير وإن شراً فشر. 

(ج) المضمون التربوي لحق العدل في الإسلام.

      فقد ربى الإسلام اتباعه على العدل في كل شي ومع كل أحد وطبق ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام حيث كانوا يعدلون في أحكامهم ومعاملاتهم، فالواجب على المربي تعليم الناس وحثهم وتربيتهم على العدل في كامل شؤونهم حتى مع أنفسهم وأقرب قريب لهم، ويعلموا أن كل شخص مسؤول عن تصرفاته وأفعاله وما يصدر عنه، وفي حال ثبوت الخطأ في حقه لأحدهم فأنه يتحمل العقاب بمفرده ولا يحمل عنه أحد في ذلك شيء، وعندما يعلم العاقل أنه سوف ينال عقابه على أفعاله السيئة فإنه سوف يرتدع وينزجر ويتأدب ويكف شره عن الناس ويتعلم العدل في كافة معاملاته.

 

التكليف التاسع

حقوق الطفل في السنة النبوية وبيان تميزها عن حقوق

الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة.

 

حقوق الطفل في السنة النبوية وبيان تميزها عن حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة.

       جاءت الشريعة الإسلامية بكافة الحقوق وفضائل الأمور وأحسنها وأكملها على الإطلاق ومن ذلك شرعت السنة النبوية حقوق خاصة بالطفل حيث قد أولته عناية فائقة واهتمام كبير حتى قبل مجيئه ومن ذلك ارشدت الزوج إلى حسن اختيار الزوجة فقد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" (البخاري، 1414ه، ج5، ص:1958). رغب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المقدم على الزواج بعدة أمور جاذبة لنجاح المرأة وركزت غاية التركيز على أن تكون المرأة صاحبة دين لأنها ستكون تربية الأطفال على يديها وعندما تكون المرأة متدينة فإنه ينشئ الطفل على الخصال الحميدة ومكارم الأخلاق ومحاسنها وفق الشريعة الإسلامية، والسنة النبوية لم تكتفى بشروط اختيار الزوجة (الأم) فقط بل وضعت شروطا للزوج (الأب) أيضا فلا بد أن يكون صاحب أخلاق ودين وذو كفاءة للزوجة وقادر على تحمل المسؤولية أعباء الأسرة.

       وبعد حصول الشروط واتفاق الطرفين يكون دخولهم بعقد شرعي صحيح وزواج على سنة الله ورسوله لكي تكون لهم كامل الأهلية في إنشاء أسرة وتحمل المسؤولية أمام المجتمع في رعاية أطفالهما.

       ومن ضمن حقوق الطفل في السنة النبوية قبل دخول الزوج على زوجته ما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أما إن أحدكم إذا أتى أهله، وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدا لم يضره الشيطان" (البخاري، 141 ه، ج3، ص: 1958). وفي حال الحمل أرشدت السنة وخففت على الحامل بعض الأمر منها جواز فطرها في نهار رمضان في حال خافت على جنينها وحُرِمَ الإجهاض إلا في حال وجود خطر محقق على الأم. ثم بعد ولادة الطفل يكون ذو نسب من أبوين معروفين الأب والأم والولد، ومن حقوقه لا بد من اختيار له اسم حسن  يعرف به، وتقوم الأم بإرضاعه حولين كاملين وينال كافة العناية والرعاية والعطف والحنان في كنف الأبوين وتقدم له كافة الحقوق في الرضاعة والتربية والتعليم والاهتمام إلى أن يكبر ويصير رجلا عاقلا بالغا ًرشيدا، فهذه جملة من حقوق الطفل التي جاءت بها السنة النبوية الشريفة فإين أصحاب الإعلانات العالمية لحقوق الطفل من هذه التعاليم الشرعية التي جاءت بكامل حقوق الطفل قبل إعلاناتهم المزعومة والتي هي مجرد حبر على ورق ولا ترقى إلى أن تكون حقوق تطبق في الواقع الحالي.

       ولذلك فإنهم يتغنون باسم الحقوق والتشريعات وهم اليوم يوردون الطفولة في منحدر ومستنقع خبيث يسعى لتدمير فطرهم وإنشاء جيل ممسوخ لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.

فبأن الفرق بين التشريع الإلهي السماوي الذي يسعى بالطفولة إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها وبين من يسعى لتدنيسها وانحرافها عن الفطرة التي خلقت عليها.

تم بحمد الله


المصادر والمراجع

-مختار الصحاح، الرازي – المكتبة الكلية – 1329هـ - ط1

-معجم التعريفات – الجرجاني – دار الفضيلة – مصر –

-حقوق الإنسان، مفهومه وتطبيقاته في القرآن الكريم – د. يحيى الزمزمي

-موقع المعاني – السبت 10 / 12 /2022م الساعة 1.30ص

-الإنسان والمرء في القرآن الكريم – شفيق اكريكر – وزارة التربية – الرباط

-حقوق الإنسان في الإسلام - أ. د. محمد الزحيلي – دار الكلم الطيب –دمشق  ط2- 1418هـ

-حقوق الإنسان في الإسلام – د. أمير عبدالعزيز – دار السلام – مصر –ط1 -1417هـ

-المعجم الفلسفي – مجمع اللغة العربية – مصر – 1403هـ

-لغة التربويين – مكتب التربية العربي لدول الخليج – الرياض 1428هـ

-القاموس المحيط - الفيروزآبادي - الرسالة ط 8 - 1426هـ

-لسان العرب – ابن منظور – دار المعارف – القاهرة – بدون تاريخ

-المفردات في غريب القرآن – أبي القاسم الحسين الأصفهاني – دار المعرفة – لبنان – د.ت

-أصول التربية الإسلامية – خالد حامد الحازمي – دار الزمان – المدينة المنورة - ط2 – 1430هـ

- محاضرات التربية وحقوق الإنسان – أ. د. حسن الزهراني 1442هـ

-حقوق الإنسان في الإسلام – سليمان الحقيل – وكالة الفرزدق – ط1 الرياض 1414هـ

-أحمد، التاج إبراهيم دفع الله، حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية في ضوء مصدريها القرآن والسنة، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد 164 الجزء الأول، يوليو 2015م

-القاضي، علي، حقوق الإنسان في ظلال التربية الإسلامية، مجلة الوعي الإسلامي العدد 191، ذو القعدة، 1400ه

-عوض، أحمد عبده، حقوق الإنسان بين الإسلام والغرب: بين النظرية والتطبيق دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، مصر: ألفا، 2010م

-عثمان، محمد رأفت، الحقوق والواجبات والعلاقات الدولية في الإسلام، الطبعة الرابعة، القاهرة: دار الضياء، 1991م

-موسى، محمد فتحي، التربية وحقوق الإنسان في الإسلام، الطبعة الأولى. مصر: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، 2005م

-الحقيل، سليمان بن عبدالرحمن: حقوق الإنسان في الإسلام والرد على الشبهات المثارة حولها،  الطبعة الاولي 1414ه-1994م

-القاضي، علي، حقوق الإنسان في ظلال التربية الإسلامية، مجلة الوعي الإسلامي العدد 191، ذو القعدة، 1400ه

-موقع الأمم المتحدة: https://2u.pw/9BSErV الدخول 1 / 1 /2023م الساعة 10:50صباحاً

-موقع صحيفة الجزيرة: https://2u.pw/dQt0ps  الدخول 1/ 1/ 2023م الساعة 11:30صباحاً الدخول 1/ 1 / 2023م الساعة 11:45 صباحا

   https://2u.pw/MstV2J   موقع جامعة منيوستا - مكتبة حقوق الإنسان: 

- موقع الألوكة: الدخول 1 / 1 / 2023م الساعة 11:55 صباحا https://2u.pw/K1eBKm  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق