الأحد، 5 مارس 2023

مدمج محاضرات وتكاليف التطبيقات التربوية للقواعد الشرعية

 هذا التجميع من كافة الزملاء الأفاضل

أولاً :قَاعِدَةُ: الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا([1])

هذه القاعدة أنفع القواعد وأجلَّها وتدخل في جميع أبواب العلم فصلاح الأعمال البدنية وأعمال القلوب وأعمال الجوارح إنما هو بالنية وفساد هذه الأعمال بفساد النية فإذا صلحت النية صلحت الأقوال والأعمال وإذا فسدت النية فسدت الأقوال والأعمال([2])

والأصل في مشروعيتها قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وهذا حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب([3]).

قال ابن القيم –رحمه الله-: فالنية روح العمل ولبه وقوامه، وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، وقد بين الحديث في الجملة الأولى: أن العمل لا يقع إلا بالنية، ولهذا لا يكون عملا إلا بنية ، ثم بين في الجملة الثانية: أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه ، وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال..، فالمقدمة الأولى معلومة بالوجدان، والثانية معلومة بالنص، وعلى هذا فإذا نوى بالعصر حصول الخمر كان له ما نواه، ولذلك استحق اللعنة ..، ولهذا مسخ الله اليهود قردة لما تحيلوا على فعل ما حرمه الله، ولم يعصمهم من عقوبته إظهار الفعل المباح لما توسلوا به إلى ارتكاب محارمه([4]).

وفي الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه-: «إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ فِيهَا حَتَّى مَا تَجْعَلَ فِي فيِّ امْرَأَتِكَ»([5]). وفي رواية (في فم امرأتك)


تعريف قاعدة: الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا

تعريف الأمور:

تعريف الأمور في اللغة:

الأمُور جمع أمْرٍ، ومعناه الحال، والشأن قال تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلْأَمْرِ شَىْءٌ}

 آل عمران:128  و يأتي بمعنى بها الحادثة والفعل. والأَمْرُ: واحدُ الأُمورِ. يقال: أَمْرُ فلانٍ مستقيمٌ، وأُمورُهُ مستقيمةٌ، والجمع الأَوامِرُ ([6]). ومنه قوله تعالى: {وما أمرُ فِرْعَونَ برَشيدٍ} هود: 97.

تعريف الأمور في الاصطلاح:

   التصرفات القولية والفعلية والاعتقادية .(7)

·       من خلال التعريف اللغوي يمكن تعريف الأمور إجرائياً بأنها: هي الشؤون والأعمال التي يعزم المرء على فعلها، سواء من مطعم، أو مشرب أو ملبس، أو أي شأن كان من أمور دينه أو دنياه.

 

 تعريف المقاصد:

·       تعريف المقاصد في اللغة:

المقاصد جمع مقصد، والقصد هو النية؛ ومعناه: العزم والقصد، قال ابن فارس-رحمه الله-: النون والواو والحرف المعتل أصل صحيح يدل على معنيين: أَحَدُهُمَا مَقْصِدٌ لِشَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَجَمُ شَيْءٍ([7]).

و ذكر ابن منظور بأن جمع مقصد و هو إتيان الشيء و أمه و المقصد هو الوجهة وهو التوجه إلى الشيء و إرادته ( لسان العرب ابن منظور ص )

وقصدت الشيء وله وإليه قصداً من باب ضرب طلبته بعينه، وإليه قصدي ومقصدي بفتح الصاد واسم المكان بكسرها نحو مقصد معين وبعض الفقهاء جمع القصد على قصود([8]).

·       تعريف المقاصد في الاصطلاح:

معنى القصد في القاعدة؛ النية: وهي العزم على فعل الشيء تقرباً إلى الله تعالى([9]).

المقاصد في الاصطلاح هي: أن أعمال المكلف وتصرفاته من قولية أو فعلية تختلف نتائجها وأحكامها الشرعية التي تترتب عليها باختلاف مقصود الشخص وغايته وهدفه من وراء تلك الأعمال والتصرفات، أو أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون موافقاً ومطابقاً لما هو المقصود من ذلك الأمر، مثال ذلك: ومن التقط لقطة بقصد أخذها لنفسه كان غاصباً عليه ضمانها إذا تلفت في يده. ولو التقطها بنية حفظها وتعريفها وردها لصاحبها متى ظهر كان أميناً؛ فلا يضمنها إذا هلكت بلا تعد منه عليه أو تقصير في حفظها([10]).

تعريف قاعدة الأمور بمقاصدها:

هي قاعدة فقهية تعني "أن جميع أحوال المكلفين وأفعالهم تختلف نتائجها وثمارها وأحكامها الشرعية باختلاف قصد الإنسان (فاعلها)، وغايته من ذلك الفعل أو القول([11]). كما قال عزوجل: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5].

شرح القاعدة:

الْأُمُور جمع أَمر، وَهُوَ: لفظ عَام للأفعال والأقوال كلهَا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123]، ثم إن الكلام على تقدير مقتضى، أي: أحكام الأمور بمقاصدها، لأن علم الفقه إنما يبحث عن أحكام الأشياء لا عن ذواتها، وهذه القاعدة تجري في كثير من الأبواب الفقهية مثل: المعاوضات والتمليكات المالية، والإبراء، وتجري في الوكالات، وإحراز المباحات، والضمانات والأمانات، والعقوبات([12])؛ فالمعنى الإجمالي لقاعدة: أن جميع أو أغلب الأقوال والأفعال تراعى فيها النيات والقصود من ناحية، ولزوم تطابق مآلاتها لمقاصد الشارع ومصالح الناس من ناحية ثانية؛ فمعنى الأمور بمقاصدها؛ أي: لا تحصل الأعمال من عبادات أو معاملات إلا بقصدها، والمقصد هو النية([13])، وعبروا بقولهم: الأمور؛ ليدخل في ذلك الأقوال والأفعال وأعمال القلوب، وقالوا: بمقاصدها، ولم يعبروا بالنيات؛ ليكون ذلك أشمل([14]).

الأدلة من القرآن الكريم:

(وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) النساء:100

          قال ابن كثير-رحمه الله-: أي و من يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند الله ثواب من هاجر كما ثبت في الصحيحين: و هذا عامٌ في الهجرة و في كل الأعمال ( ابن كثير 1422ه ، ص 393)

2- قال تعالى: (وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلْقَيِّمَةِ) البينة:5

قال السعدي -رحمه الله- في تفسير هذا الآية الكريمة " وما أمرو في سائر الشرائع إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة و الباطنة وجه الله و طلب الزلفى لديه. (السعدي 1424هـ ، ص890)

وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا   النساء (114)

(وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء:114

ذكر السعدي في تفسير هذه الآية ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت و كل جزء من أجزاء الخير ليحصل له بذلك الأجر العظيم و ليتعود الإخلاص فيكون من المخلصين و ليتم له الأجر سواء تم مقصوده أم لا لأن النية حصلت و اقترن بها ما يمكن من العمل. (السعدي 1424هـ، ص 182)

أدلة قاعدة الأمور بمقاصدها من السنة:

     حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" 

جاء عن السيوطي رحمه الله في الاشباه والنظائر عن عظم قدر هذا الحديث قوله: "اعلم أنه قد تواتر النقل عن الائمة في تعظيم قدر حديث النية. قال أبو عبيدة: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه، واتفق الشافعي وابن حنبل وابن مهدي وابو داوود والدار قطني وغيرهم على أنه ثلث العلم" ( )

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجُل اسْتُشْهِدَ، فأُتي به، فعرَّفه نِعمته، فعرَفَها، قال: فما عَمِلت فيها؟ قال: قَاتَلْتُ فيك حتى اسْتُشْهِدْتُ. قال: كَذبْتَ، ولكنك قَاتَلْتَ لأن يقال: جَرِيء! فقد قيل، ثم أُمِرَ به فَسُحِب على وجهه حتى أُلقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نِعَمه فعرَفَها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كَذَبْتَ، ولكنك تعلمت ليقال: عالم! وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ؛ فقد قيل، ثم أُمِر به فَسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وَسَّعَ الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأُتي به فعرَّفه نِعَمه، فعرَفَها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تُحِبُّ أن يُنْفَقَ فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كَذَبْتَ، ولكنك فعلت ليقال: جواد! فقد قيل، ثم أُمِر به فَسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار» ( )

الإجماع:

أجمع كل العلماء من لدن الصحابة إلى الوقت الحاضر على وجوب العمل بما تضمنته النصوص القرآنية والنبوية التي استندت عليها هذه القاعدة (قاعدة الأمور مفهومها مستندها تطبيقاتها الدكتور عادل إبراهيم المحروق ص 291)

التطبيقات التربوية لقاعدة الأمور بمقاصدها

تعددت التطبيقات التربوية لقاعدة الأمور بمقاصدها إلا أن أبرزها ما يتعلق بأهداف ومقاصد العملية التعليمية و سائر مكوناتها وفيما يلي بيان أهم التطبيقات التربوية لهذا القاعدة و المتعلقة بأهداف العملية التربوية في أربع محاور وهي:

أولاً: التطبيقات التربوية الخاصة بالمعلم:

        1- قيام  المعلم بإيضاح ماهية النية وأن مدار قبول الأعمال عليها.

        2- ينفذ المعلم مجموعة من الأنشطة للطلاب لحثهم على التعلم والسعي لتحصيله مع الإخلاص في ذلك.

        2-ينفذ المعلم نماذج من الاختبارات للطلاب بدون رقابة نظامية بقصد غرس مبدأ الرقابة الذاتية عند الطلاب.

3- تدريب الطلاب على استحضار نية الإخلاص لله تعالى في جميع أفعالهم.

4-يقدم المعلم نماذج من المواقف التي يستشعر من خلالها الطلاب إخلاصه فيها مثل اهتمامه بالطلاب ضعاف التحصيل.

5-يعمل المعلم  بعلمه ما استطاع إلى ذلك سبيلا ليكون أبلغ في النصح والقدوة.

6-يحقق المعلم  مقاصد الشرع الحنيف في العملية التعليمية.

7-قيام المعلم بنشر العلم وتعليمه للناس الاستجابة إلى ما أمر الله به من تبليغ العلم للناس وعدم كتمانه ورفع الجهل.

8-يقصد المعلم من تعليمه طلب رضى الله سبحانه و تعالى و نفع الآخرين بعلمه


ثانيا: التطبيقات التربوية الخاصة بالمتعلم:

1-يحدد المتعلم لنفسه أهدافا يسعى إلى تحقيقها ويبدأ بالأهم فالمهم في التحصيل العلمي.

2-يبتعد المتعلم عما يبعده عن تحقيق أهدافه الدراسية كالبغض والحسد لغيره.

3-يهدف المتعلم من علمه إلى تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى.

4- يبتعد المتعلم من العجب والغرور والرياء.

5-يعمل على التخلق بأخلاقيات طالب العلم تجاه معلميه وزملائه والعلم الذي يتعلمه.

ثالثا: التطبيقات التربوية الخاصة بالمنهج الدراسي:

حرص المسلمون الأوائل على اعتبار الأهم فالمهم عند إعداد المنهج الدراسي وعلى أساس قاعدة الأمور بمقاصدها فالقصد من التعليم و العلم عندهم معرفة الله سبحانه و تعالى من خلال آياته و مخلوقاته تتجلى هذا المعرفة في القرآن الكريم ثم الحديث النبوي الشريف.

ويمكن إجمال التطبيقات التربوية في قاعدة الأمور بمقاصدها في إعداد المنهج الدراسي في النقاط التالية:

1-تضمين المناهج الدراسية الغاية من العلم والتعليم وهو تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى.

2- أن تضمن المناهج الدراسية موضوعات عن أحكام النية وآدابها والأمور المتعلقة بها.

3-قيام واضعي المناهج بتوجيهها في فروع المعرفة المختلفة توجيهًا إسلاميًا.

4-يوازن واضعو المناهج بين العلوم النظرية والتطبيقية تحقيقًا لقيمة العمل بالعلم في الإسلام.

5-يراعي واضعو المناهج حاجات المجتمع ومتطلباته عند بناء المناهج الدراسية لأن التربية الإسلامية تربية متوازنة تراعي حاجات الإنسان وتدفعه للإنجاز والعمل.

6-تضمين المناهج الدراسية موضوعات حول الإعجاز القرآني والنبوي في مختلف المجالات لتعميق الإيمان في نفوس المتعلمين.

رابعا: التطبيقات التربوية للمدرسة:

        1-تتنفيذ برامج للمعلمين لتعزيز الجوانب الإيمانية في نفوسهم بقصد إشعارهم بأهمية الإخلاص في العمل.

        2-تضع المدرسة لوحات إرشادية تبصر الطلاب بأهمية العمل بالقيم الإيمانية مثل الإخلاص في لعمل والقصد به وجه الله تعالى على الشاشات واللوح الحائطية.

        3-تفرق في العقاب بين من يثبت مقصده من التصرفات والسلوكيات التعمد في الضرر عمن يكون غير متعمد في مقصده.

 

تعليق الباحث:

ومما سبق يتضح بأن قاعدة الأمور بمقاصدها قاعدة ترتبط بالأهداف والغايات في التشريع الإسلامي لذلك ينبغي على التربية الإسلامية أن تستمد أهدافها من هذه المقاصد الشرعية فهي تعين المتخصص في التربية الإسلامية على تحديد أهدافه بدقة، وتساهم في بناء تربية إسلامية أصيلة محافظة على مقاصد الشرع الحنيف.

 

الحاجات وبعض تطبيقاتها التربوية

 

مفهوم الحاجة

 الحاجة لغة: يعرف معناها في اللغة من ‌معنى ‌الحاجة وهي: الاحتياج.

وكما ورد في معجم مقاييس اللغة (حوج) الحاء والواو والجيم أصل واحد، وهو الاضطرار إلى الشيء، فالحاجة واحدة الحاجات. والحوجاء: الحاجة. ويقال أحوج الرجل: احتاج. ويقال أيضا: حاج يحوج، بمعنى احتاج(1)

والحاجة لغة تطلق على الافتقار، وعلى ما يفتقر إليه.

وأما عند الأصوليين: فهي التي يحتاج إليها، ولكنها لا تصل إلى حد الضرورة

وتأتي في المرتبة‌‌ الثانية بعد الضروريات أما التحسينات فتأتي في المرتبة الثالثة (2)

والحاجة اصطلاحا: هي - كما عرفها الشاطبي - ما يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المصلحة، فإذا لم تراع دخل على المكلفين -على الجملة- الحرج والمشقة. (3)

وهي جارية في العبادات، والعادات، والمعاملات، والجنايات:

ففي العبادات: كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقة بالمرض والسفر

 وفي العادات: كإباحة الصيد والتمتع بالطيبات مما هو حلال، مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا، وما أشبه ذلك.

وفي المعاملات: كالقراض والمساقاة والسلم  

وفي الجنايات ضرب الدية على العاقلة، وتضمين الصناع، وما أشبه ذلك (3)

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      (1)أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي   معجم مقاييس اللغة الناشر: دار الفكر١٣٩٩هـ - ١٩٧٩م ج2 ص114

(2)الموسوعة الفقهية الكويتية صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت الطبعة: (من ١٤٠٤ - ١٤٢٧ هـ)  ج 10ص 225

(3)الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي: الموافقات الناشر: دار ابن عفان الطبعة: الأولى، ١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م ج2 ص22

الفرق بين الحاجة والضرورة

 أن الحاجة وإن كانت حالة جهد ومشقة فهي دون الضرورة، ومرتبتها أدنى منها ولا يتأتى بفقدها الهلاك.

والحاجة إذا كانت عامة فإن أهل العلم ينزلونها منزلة الضرورة فيباح بموجبها المحظور.

ونلاحظ انّ الحاجة:

1-     ما يفتقر إليه الإنسان ويسعى إلى ايجاده.

2-     فيها دفع للحرج.

3 ــ        تكون الحاجة في العبادات، والعادات، والمعاملات، والجنايات.

4-     أقل من رتبة الضرورة.

5-     الحاجة من أسباب إباحة المحرم.

6 ـ استمرار الحاجة يؤدي إلى الضرورة، فإطلاق الفقهاء الحاجة على الضرورة من هذا الباب.

7ــ أن الضرورة هي الأصل، والحاجة مكملة لها.

ونخلص إلى أن:

الحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيرا أو تسهيلا لأجل الحصول على المقصود، فهي دون الضرورة من هذه الجهة، وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمرا، والثابت للضرورة موقتا كما تقدم (1)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الزرقا :أحمد بن الشيخ محمد الزرقا    شرح القواعد الفقهية   الناشر: دار القلم، دمشق – سوريا  الطبعة: الثانية، ١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م

تاريخ النشر بالشاملة: ٨ ذو الحجة ١٤٣١  ص209

الأدلة من القرآن الكريم

الآيات الدالة على الضرورة:

قال تعالى ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة:3]

و الآيات الدالة على رفع الحرج:

قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [المائدة:6] ،

والآيات الدالة على التيسير والتخفيف:

من أوضح هذه الآيات قوله تعالى : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]

الأدلة على اعتبار الحاجة من السنة النبوية

الأحاديث الدالة على سماحة هذا الدين ويسرِه :

1-     قوله عليه الصلاة والسلام : "إنّ الدين يسر ، ولن يشادّ الدين أحدٌ إلّا غلبه"[15].

2-     قوله صلى الله عليه وسلم : "يسِّرا ولا تُعسِّرا ، وبشِّرا ولا تُنفِّرا"[16] .

3-     أنّه عليه الصلاة والسلام : "ما خُيّر بين أمرين إلّا أخذ أيسرهما ما لم يكُن إثما"[17].

                

أسماء الحاجة الشرعية وإطلاقاتها(1)

عبر العلماء والأصوليون عن الحاجة بتعبيرات وألفاظ متنوعة ومن هذه التعبيرات والألفاظ ما يلي:

1 ـ المصلحة او المصالح الحجاية: وهي المنفعة المجتلبة أو المفسدة المبتعـدة بموجب وجود الحاجة الماسة.

2 ـ الحاجة أو الحاجيات أو الحاجات: وهي نفس الحالة التي يكون عليها الإنسان من حيث الافتقار إلى الشيء والاحتياج إليه، والتي تفضي إلى حكمها الذي على مصلحته المسماة المصلحة الحاجية.(2)

3 ـ الحاجي: وهو كذلك نفس التعبير، ولكنه أكثر اختصاراً من التعبيرين السابقين.

4ـ المصلحي: وهو تعبير الأصفهاني: «والمصلحي متضمن حفظ مقصـود هـو في محل الحاجة».

٨ ـ الضرورة: أي أن العلماء أحياناً يعبرون عن الحاجة بلفظ الضرورة على الرغم من أن الحاجة تقع دون الضرورة.

فهذه التعبيرات وغيرها يطلقها العلماء والأصوليون على معنى الحاجة، وإن اختلفوا في إطلاق مسماها على نفس المصلحة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الخادمي، نورالدين بن مختار. (2002 .(الحاجة الشرعية: حقيقتها . أدلتها . ضوابطها.العدل، مج 4 ,ع 14 ،1 - 49 .مسترجع من79209/Record/com.mandumah.search://h

(2)الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي: الموافقات الناشر: دار ابن عفان الطبعة: الأولى، ١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م ج2 ص22


أسباب الحاجة الشرعية(1)

الحاجة الشرعية تراعي وتعتبر في بيان أحكامها وآثارها. وأسباب مراعاة هذه الحاجة وترتيب آثارها عليها تعود إجمالا إلى جلب مصالح الناس ودفع الحرج والمشقة عنهم.

فالحاجة ومصلحتها المترتبة عليها إلا لما في تحملها من مشاق قاهرة وحرج قوي

يعود على المحتاج بالضرورة والضيق والإعسار.

فالنظر إلى عورة المريض لمداواته حكم جوازه حاجة المريض إلى الدواء، بهدف تحقيق مصلحته في الشفاء والبرء، وبهدف إزالة حرج المريض ومشقته وآلامه.

ولذلك عرفت الحاجة أو المصلحة الحاجية بأنها التي يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب .

 

ضوابط العمل بالحاجة:

1-    وجوب الرجوع إلى أهل العلم في الحكم بالحاجة والعمل بمقتضاها.

2-    السعي لتقصير وقت الإستباحة المبنيّة على الحاجة.

3-    أن يتقيّد ما يُباحُ للحاجة بوجودها.

4-    أن يُقدِّر ما يُباحُ للحاجة بقدرها.

5-    وجوب التقيّد بالحدود التي تؤثّر فيها الحاجة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)مرجع سابق 79209/Record/com.mandumah.search://h

أنواع الحاجة الشرعية

تتنوع الحاجة الشرعية أنواعاً عدة، باعتبارات مختلفة:

فباعتبار عموم الناس وخصوصهم تتنوع إلى الحاجة العامة، والحاجة الخاصة.

الحاجة العامة: وهي الحاجة التي تعم جميع الناس ومثالها : الحاجة إلى الزراعة والتجارة والصناعة والسياسة العادلة والقيادة الصالحة والعلم النافع والشورى المسؤولية والتخصصات العلمية المفيدة.

ومن أجل هذا النوع شرعت عقود كثيرة، كالإجارة والمضاربة والمساقاة والصلح.

الحاجة الخاصة: ومثالها : لبس الحرير للمريض بالحكة أو الجرب، وتضبيب الإناء بالفضة والأكل من لغنيمة في دار الحرب، والتبختر بين الصفين في الحرب.

وباعتبار الحكم الشرعي تتنوع الحاجة إلى:

1ــ الشرعية التي أبيحت بسبب الاحتياج، ثم أصبحت مباحة للمحتاج وغيره.

وهي الحاجة الشرعية التي روعيت فيها من الأصل المصالح واحتياج الناس، وهي

التي شرعت في أول الأمر بسبب ذلك الاحتياج، ثم أصبحت مباحة عند وجود الاحتياج و عدمه.

ومثال ذلك: الوصية.

٢ ـ الحاجة الشرعية التي أبيحت لعذر، فهي لا تباح إلا عند قيام ذلك العذر أي أنها

تدور مع العذر وجوداً وعدماً باعتبار الأحوال.

 

التطبيقات التربوية

من التطبيقات التربوية الحديثة المتعلقة بالعقل:

يقوم المعلم بإكساب الطلاب العلوم التي تحتاجها الأمة كالطب والهندسة وغيرها.

 

ومن التطبيقات التربوية للحاجة المتعلقة بالعرض:

يُلزم المربي الطلاب بأن يستروا العورة ويرتدوا الملابس المناسبة.

 

التطبيقات التربوية لحفظ المال:

يطلب المعلم من الطلاب الاستفادة من المقصف المدرسي بشراء ما يفيدهم دون تبذير.

 

التطبيقات التربوية لحفظ الدين:

يقوم المعلم بتدريب الطالب على تأدية الصلاة جالساً في الضرورة.

 

‏التطبيقات التربوية لحفظ النفس:

يقوم المتعلم بتنفيذ الدروس عبر الوسائل التقنية الحديثة في حال تعرضه لأى أمر من الأمور الطارئة.

تقوم إدارة المدرسة بإلغاء حصص التربية البدنية في شهر رمضان لما فيها من المشقة على الطلاب.

القيام بالإفطار اثناء السفر في رحلات المدرسة أخذً بالرخصة.

 

ومن القواعد الفقهية للحاجة:

الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة معنى هذه القاعدة أن الحاجة سبب من أسباب مشروعية الأحكام الاستثنائية من اباحة المحرم وما كان مباح للحاجة قدر قدرها.

 

 

قاعدة اليقين لا يزول بالشك

مقدمة:

تعد هذه القاعدة من القواعد الفقهية الكبرى التي هي أصل من أصول الشرع الإسلامي الحنيف حيث تعد من أكثر القواعد تطبيقاً كما قال الإمام السيوطي " اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر" (السيوطي، ١٤٠٣ ه، ص: 51)[18].

تعريف القاعدة في اللغة والاصطلاح:

اليقين في اللغة: هو "العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر، وقد أيقن يوقن إيقانا، فهو موقن، ويقن ييقن يقنا، فهو يقن. واليقين: نقيض الشك، والعلم نقيض الجهل" (ابن منظور، 1414هـ، ج13، 457) [19].

"اليقين العلم الحاصل عن نظر واستدلال، ويقن الأمر ييقن يقنا من باب تعب إذا ثبت ووضح" (الفيومي، ج2، ص: 681)[20].

قال الراغب: اليقين من صفة العلم، فوق المعرفة والدراية وأخواتها، يقال: علم يقين. ولا يقال: معرفة يقين. وهو سكون النفس مع إثبات الحكم. (الكفوي، ص: 980)[21]. قال الله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) (النمل:14).

اليقين في الاصطلاح:

وأما معنى اليقين في الاصطلاح: هو الاعتقاد الجازم والثابت الموافق للواقع.

وقيل معناه "اعتقاد الشيء بأنه كذا، مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا، مطابقا للواقع غير ممكن الزوال" (الاسمري، ١٤٢٠هـ، ص: 62)[22].


الشك في اللغة والاصطلاح:

الشك في اللغة: قال ابن منظور الشك نقيض اليقين، وجمعه شكوك، وقد شككت في كذا وتشككت، وشك في الأمر (ابن منظور، 1414هـ، ج10، ص: 451)[23].

أما الشك في الاصطلاح فقد عرفة الجرجاني بأنه: " هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك، وقيل: الشك: ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما، فإذا ترجح أحدهما على الآخر فهو ظن، فإذا طرحه فهو غالب الظن، وهو بمنزلة اليقين" (الجرجاني، ١٤٠٣هـ، ص: 128).

المعنى الإجمالي للقاعدة:

 أن ما كان ثابتاً متيقنا منه من الأمور فإنه لا يرتفع بمجرد طروء الشك عليه لأن اليقين لا يغيره إلا ما هو أقوى منه، أما ما كان أضعف منه مثل الشك والظنون فإنها لا عبرة لها في تغير الشيء المتيقن عند الشخص، مثال ذلك: أن الأصل براءة الذمة، فاليقين في ذلك أنها مبرءة من أي شي ينسب إليها إلا بدليل. كذلك أن الأصل والمتيقن في المياه الطهارة سواء كانت مياه أمطار، أو بحار، أو أنهار، أو آبار، فهذا هو المتيقن فلا يعدل عن ذلك بالشك. كذلك الأصل في الكلام الحقيقة. وكما في الأحكام فإن الحكم الثابت بالدليل يبقى ثابتاً يقينياً ولا يرتفع إلا بدليل قاطع وهكذا.

أدلة القاعدة من القرآن الكريم والسنة النبوية:

تظافرت الأدلة على قاعدة اليقين لا يزول بالشك من القرآن الكريم والسنة النبوية وكذلك الإجماع، وفيما يأتي بيان هذه الأدلة:

أولاً: الادلة من القرآن الكريم:

قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُون (يونس:36).

 وقال تعالى: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى (النجم:23).

﴿وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (النجم:28).

  

ثانياً: الأدلة من السنة النبوية:

1- حديث ‌عباد بن تميم، عن ‌عمه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة. فقال: "لا ينفتل أو: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" (البخاري، ١٤٢٢ هـ، ج1، ص:36)[24].

2- عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة، وإن كانت ناقصة، كانت الركعة لتمام صلاته، وكانت السجدتان رغم أنف الشيطان" (ابن ماجة، ١٤٣٠ هـ، ج2، ص: 273)[25].

3- حديث ‌أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" (مسلم، ١٣٣٤هـ، ج1، ص: 190)[26].

 

أما الإجماع:

فقد أجمع العلماء على العمل بهذه القاعدة حيث قد نقل الإجماع الإمام القرافي قال " فهذه قاعدة مجمع عليها وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه" (القرافي، ج1، ص: 111).

وقد أشار الإمام ابن دقيق العيد في حديث عباد بن تميم السابق في "إعمال الأصل، وطرح الشك، وكأن العلماء متفقون على هذه القاعدة، لكنهم يختلفون في كيفية استعمالها" (ابن دقيق العيد، ج1، ص: 118)[27].

وذكر أبو بكر السرخسي " أن التمسك باليقين وترك المشكوك فيه أصل في الشرع" (السرخسي، ج2، ص: 116)[28].

شروط إعمال قاعدة اليقين لا يزول بالشك

لهذه القاعدة شروط من أجل العمل بها وهي على النحو الآتي:

1- اتحاد القضيتين المتيقنة والمشكوك فيها في المتعلق.

"والمقصود بذلك أن يكون ما تعلق به اليقين هو ما تعلق به الشك، ووجه اشتراط هذا في القاعدة، أنه عند اختلاف المتعلق لا يكون الشك شكاً في البقاء، بل في حدوث قضية جديدة" (الباحسين، 2000، ص: 55)[29].

2- اختلاف زماني حدوث الشك واليقين.

ويكون ذلك بتقدم زمن اليقين على زمن الشك، ليصدق عدم نقض اليقين بالشك، لأنه من المستحيل اجتماع زمن اليقين والشك، مع كون المتيقن هو المشكوك فيه نفسه، لما في ذلك من الجمع بين النقيضين وهو محال.

3- اجتماع اليقين والشك في زمن واحد.

والمقصود بذلك "أن يتفق حصول اليقين والشك في آن واحد، لا بمعنى أن مبدأ حدوثهما يكون في زمان واحد" (المظفر، 1990، ص: 281)[30].

4- اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

والمقصود بذلك أنه لا يوجد فاصل بينهما يتخلله يقين آخر.

5- فعلية الشك باليقين.

ومراد الأصوليين من ذلك أن "يتحقق كل من الشك واليقين بالفعل، فلا عبرة بالشك التقديري، لعدم صدق النقض به، ولا اليقين التقديري، لعدم صدق نقضه بالشك"

(الكوكبي، 1377، ص:201)[31].

6- وجود الأثر العملي المصحح لإجراء القاعدة.

"والمقصود من ذلك أن يكون لإبقاء حكم المتيقن في حالة الشك أثر عملي، بأن يكون مؤدياً إلى عذر المكلف، والاعتداد بما يجيء به من عمل، سواء كان في استصحـاب البـراءة الأصلية، أو العـدم الأصلي، بعدم التكليف، أو باستصحاب الحكم أو موضوعه، أو متعلقه، أو قيوده، أو شروطه" (الباحسين، 2000، ص:60).

القواعد المندرجة تحت قاعدة اليقين لا يزول بالشك

القاعدة الأولى: الأصل بقاء ما كان على ما كان.

القاعدة الثانية: قاعدة: الأصل براءة الذمة.

القاعدة الثالثة: أصل ما انبنى عليه الإقرار إعمال اليقين وإطراح الشك وعدم استعمال الغلبة.

القاعدة الرابعة: من شك هل فعل شيئا أولا؟ فالأصل أنه لم يفعله.

القاعدة الخامسة: الأصل العدم.

القاعدة السادسة: الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن.

القاعدة السابعة: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم.

القاعدة الثامنة: الأصل في الأبضاع التحريم.

القاعدة التاسعة: الأصل في الكلام الحقيقة. (السيوطي، ١٤٠٣ هـ، 53- 64)[32].

 

التطبيقات التربوية لقاعدة اليقين لا يزول بالشك

للقواعد الفقهية بشكل عام تطبيقات تربوية متنوعة ومفيدة في العملية التربوية والتعليمية والتي ينبغي التركيز عليها لتحقيق الأهداف المرجوة في مجال التربية والتعليم.

ويقتصر الباحث في هذه العجالة على ذكر بعض التطبيقات التربوية الخاصة بقاعدة اليقين لا يزول بالشك وهي على أربعة محاور كالآتي:

أولاً: التطبيقات التربوية الخاصة بالمعلم:

. 1- قيام المعلم بتنشئة المتعلمين على العمل بالمحكمات وبالأمور المتيقنة الواضحة والابتعاد عن الأمـور المتشابهة ما أمكن.

2- معالجة المعلم لوساوس المتعلمين وشكوكهم في انتقاض الوضوء وفي السهو في الصلاة وغير ذلـك.

3- قيام المعلم بتربية النشء على اعتماد الدليل الصحيح في سائر العبادات والمعاملات.

4-تربية المعلم للطلاب علـى الأخـذ بـالمحكم الواضـح وتـرك المتـشابه الغامض، وعدم الحكم على النيات الخفية، أو الحكم على الغير بالظن البين خطؤه.

5- قيام المعلم بغرس الأمانـة العلميـة في نفوس الطلاب والعنايـة بالتثبـت فـي النقـل والدقــة فــي التلقــي، والتأكــد مــن نــسبة الأقــوال والأفعــال لأصــحابها، لتكون النتائج على أسس سليمة يقينية.

6- قيام المعلم بعرض مفردات المادة العلمية على الطلاب ليكونوا على يقين بالهدف المطلوب منهم في العملية التعليمية.

7- تدريب المعلم للطـلاب وتربيتهم علـى أنـه إن وقـع خـلاف فـي أي مجال من مجـالات العلـم والمعرفـة فعلـى المـدعي وهـو الناقـل عـن الأصـل إقامـة البـراهين والـدلائل علـى قولـه، وكـل مـن قـال قـولا بـلا دليـل فهـو متمسك بشك واليقين لا يزول بالشك.

8- قيام المعلم بتعويد الناشئين على التعامل مع الحقائق والبراهين الواضحة والدلائل القطعية.

9- تعليم المعلم للمتعلمين في حال الشك في الصلاة أو الطواف البناء على اليقين وهو الأقل وترك الشك.

ثانياً: التطبيقات التربوية الخاصة بالمتعلم:

1- قيام المتعلم بالتعرف على العبادات بالدليل القطعي اليقيني ليزول عنه الشك واللبس في بعض المسائل، ويعبد الله على علم وبصيرة.

2- يتوقف الطالب في تنفيذ قراراته إلا على الأمور اليقينية وليس على مجرد الظنون والشك.

3- يتيقن الطالب ما هو المطلوب منه في المواد الدراسية للقيام بالواجبات على أكمل وجه.

4- يأخذ الطالب بأدلة الأحكام الشرعية المتفق عليها ويبتعد على المشتبهات.

5- يبتعد الطالب عن التشكيك بالناس والخوض في نواياهم بمجرد الظنون.

6- يبتعد المتعلم عن الأمور المشكوك فيها ويعمل بالأمور اليقينية.

7- قيام المتعلم بالتزود من العلوم النافعة التي تقوي عنده اليقين بثوابت الدين.


ثالثاً: التطبيقات التربوية الخاصة بالمنهج الدراسي:

1- تضمين المقررات الدراسية المواد العلمية الواضحة التي ليس فيها متشابهات لكي لا يلتبس على الطلاب فهمها والعمل بها.

2- بناء المواد الدراسية على نسبة كبيرة من الدقة والأمانة العلمية.

3- العمل على إيضاح المواد العلمية من قبل واضعوا المناهج وجعلها واضحة الأهداف وسلسة في العرض والأسلوب لتسهل على الطلاب معرفتها وتلقيها.

4- قيام واضعوا المناهج الدراسية بتضمين الأحكام الصحيحة والمتناسبة مع المراحل الدراسية للفئات العمرية للطلاب.

5- تضمين المناهج الدراسية بالأمثلة الواضحة والدقيقة الخاصة بكل درس.

6- تضمين المناهج العلمية موضوعات تهتم بترسخ العقيدة الإسلامية ليزداد اليقين بها في نفوس الطلاب.

رابعاً: التطبيقات التربوية الخاصة بالمدرسة:

1- قيام إدارة المدرسة بطلب الأدلة والبراهين في حال حصول الخلافات بين الطلاب للفصل بينهم.

2- قيام إدارة المدرسة بالبحث والتحـري والتأكــد عنـد إرادة إصـدار أي قــرار ســواء كــان مكافأة أو عقوبة من استحقاق صاحب الشأن لما يتخذ بحقه من إجراء.

3- تحـذير جميـع المعلمين في المدرسة مـن الوقـوع فـي سلوكيات مشبوهة تثير الـشكوك حـول سـلامة أخلاقهـم وتـصرفاتهم.

4- تنفيذ إدارة المدرسة بعض الأنشطة والبرامج التي من شأنها تعزز اليقين بالعقيدة الإسلامية عند الطلاب.

 


([1]) السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (1990)، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة: الأولى، 1411هـ. (1/8).

([2]) السيف، ناصر بن سعيد، الشروحات الذهبية على منظومة القواعد الفقهية، دار ابن خزيمة، (ط، ت: بدون)، ص: (15).

([3]) البخاري، محمد بن إسماعيل (1422)، صحيح البخاري، باب بدء الوحي، حديث رقم: (1)، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى. (1/6).

([4]) ابن القيم، محمد بن أبي بكر (1991)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية – ييروت، الطبعة: الأولى، 1411هـ. (3/91).

([5]) البخاري، محمد بن إسماعيل (1422)، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، حديث رقم: (56)، مرجع سابق: (1/20).

([6]) الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد(1987)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة: الرابعة 1407 هـ‍. (2/580).

(7) الدوسري ، مسلم بن محمد: الممتع في القواعد الفقيه –الرياض،1424هـ دار زدني ط1 ص 70

(8) ابن فارس، أحمد بن زكرياء القزويني (1979)، معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق: (5/366).

(9) الفيومي، أحمد بن محمد (ت: بدون)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية – بيروت. ص: (504). ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل (2000)، المحكم والمحيط الأعظم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية-بيروت، (6/186).

([9]) السعدي، عبدالرحمن ناصر (2015)، شرح منظومة القواعد الفقهية، أملاه: د. خالد علي المشيقح، مكتبة الإمام الذهبي-الكويت، الطبعة: الأولى، 1436هـ. ص: (51).

([10]) آل بورنو، محمد صدقي بن أحمد (1996)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، مؤسسة الرسالة-بيروت، الطبعة: الرابعة، 1416هـ. ص: (124).

([11]) السعدي، عبدالرحمن ناصر (2015)، شرح منظومة القواعد الفقهية، مرجع سابق، ص: (52).

([12]) الزرقا، أحمد بن الشيخ محمد (1989)، شرح القواعد الفقهية، صححه وعلق عليه: مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم – دمشق. الطبعة: الثانية، 1409هـ. ص: (48).

([13]) العطار، حسن بن محمد بن محمود، حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، دار الكتب العلمية-بيروت، (ط، ت: بدون). (2/399). والخادمي، نور الدين (1998)، الاجتهاد المقاصدي ضوابطه ومجالاته، تقديم: الشيخ عبيد حسنة، كتاب الأمة (العدد: 65)، وزارة الشؤون الإسلامية-قطر، الطبعة: الأولى، 1419هـ. (2/162-163).

([14]) الشثري، سعد بن ناصر (ت: بدون)، شرح منظومة القواعد الفقهية، ملف (pdf)، من موقع مركز جامع شيخ الإسلام بن تيمية، http://www.taimiah,org ، ص: (22).

[15] البخاري ، كتاب الإيمان ، باب : الدين يسر ، ج1ص17رقم الحديث 39 .

[16] البخاري ، ج5ص161، رقم الحديث 4341.

[17] البخاري ، كتاب المناقب ، باب : صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم الحديث 3560.

[18] السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن. (1403). الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، بيروت: دار الكتب العلمية.

[19] ابن منظور، محمد بن مكرم بن على، (1414). لسان العرب. بيروت: دار صادر.

[20] الفيومي، أحمد بن محمد بن علي.  كتاب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. بيروت: المكتبة العلمية.

[21]  الكفوي، أيوب بن موسى الحسيني القريمي. الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية. بيروت: مؤسسة الرسالة.

[22] الأسمريُّ، صالحُ بنُ مُحمَّدٍ بنِ حسنٍ. (1420). مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية. المملكة العربية السعودية: دار الصميعي.

[23] ابن منظور مرجع سابق.

[24] البخاري، أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم. (1422هـ). صحيح البخاري. بيروت: دار طوق النجاة.

[25] ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد. (1430هـ). سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط. بيروت دار الرسالة العالمية.

[26] مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج. (1334هـ). صحيح مسلم. تركيا: دار الطباعة العامرة.

[27] ابن دقيق العيد، إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام.

[28] السرخسي، أبو بكر محمد بن أحمد. أصول السرخسي. بيروت: دار المعرفة.

[29] الباحسين، يعقوب عبد الوهاب. (2000). قاعدة اليقين لا يزول بالشك دراسة نظرية تأصيلية وتطبيقية.

[30] المظفر، محمد رضا. (1990). أصول الفقه. بيروت: مؤسسة الأعلى للمطبوعات.

[31] الكوكبي، السيد أبو القاسم. (1377). مباني الاستنباط.

[32] السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن. (١٤٠٣ هـ). الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية. بيروت: دار الكتب العلمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق